الاستاذ عبد الواحد كريمي يتطرق الى مسطرة الخلاصة الإصلاحية ومسطرة الإيداع على ضوء العمل القضائي

تطرق الأستاذ عبد الواحد كريمي مستشار بمحكمة الاستئناف بسطات  وعضو بالمكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة خلال مداخلته في الندوة العلمية

 المنظمة تحت عنوان "الحماية القانونية القضائية للعقار في القانون المغربي" من طرف رابطة المحامين الاستقلاليين فرع سطات بشراكة مع المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بسطاتإلى مسطرة الخلاصة الإصلاحية ومسطرة الإيداع على ضوء العمل القضائي.

قال الأستاذ عبد الواحد كريمي خلال مداخلته  "أن المشرع المغربي قد عمل منذ بداية القرن العشرين على إيجاد نظام جديد للعقار يسمح بضبطه من الناحيتين المادية والقانونية فاهتدى إلى نظام التحفيظ العقاري كتشريع ساهم منذ ذلك الحين في استقرار المعاملات وتعبئة العقار ليلعب دوره كاملا في مجال الاستثمار والتمويل وخلق الثروة واخذ بنظام الشهر العيني.

وكغيره من القوانين فإن القانون المتعلق بالتحفيظ العقاري بدوره كان لازما أن يتطور بتطور الظروف الاقتصادية والاجتماعية وطنيا ودوليا، وكيف لا وهو مادة علمية يخضع لخصائص القاعدة القانونية بصفة عامة، وهكذا جاء الظهير الشريف الصادر بتاريخ 9 رمضان 1331(12 غشت 1913) كما تم تعديله وتتميمه بالقانون 14.07 ومعه مقتضيات جديدة، لقد نص الفصل 1 من هذا القانون على أن التحفيظ يرمي إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه  منه فيما بعد ويقصد منه :

_ تحفيظ العقار بعد إجراءات التطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به.

_ تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك في الرسم العقاري المؤسس له.

هذا هو المفهوم القانوني الجديد للتحفيظ وكما تلاحظون فإنه يحمل في طياته مقتضيات جديدة أعطت حلول لبعض الاشكاليات التي كانت مطروحة على مستوى التطبيق عند رجال القانون عامة.

أما مسطرة التحفيظ فهي في الأصل مسطرة إدارية محضة تبدأ بالرغبة في تحفيظ العقار عن طريق تقديم مطلب إلى المحافظة العقارية الكائن بدائرة نفوذها مرفق بالوثائق المثبتة للحق المراد تحفيظه، هذه الرغبة قد تنتهي بتأسيس رسم عقاري عند عدم تقديم تعرضات ضد مطلب التحفيظ.

وقد تتخللها المسطرة القضائية عند ظهور تعرضات على مطلب التحفيظ للمطالبة بحق من الحقوق في إطار مقتضيات الفصل 24 من نفس القانون .

والتعرض في هذا الإطار هو المسطرة المعهودة والمعروفة ويخضع قضاءا لقاعدتي أن المتعرض في قضايا التحفيظ يعتبر مدعيا يقع عليه عبء الإثبات ويعتبر طالب التحفيظ مدعى عليه في دعوى التعرض غير ملزم بأن يدلي أمام المحكمة بالحجة حتى يدعم المتعرض دعواه بحجة قوية.

ولكن المشرع أوجد إلى جانب هذه المسطرة مسطرة الخلاصة الإصلاحية في الفصل 83 من قانون 14.07 كما عدل وتمم واوجد كذلك مسطرة الإيداع في الفصل 84 من نفس القانون.

وهكذا سأتحدث بإيجاز عن هاتين  المسطرتين، من خلال قرار محكمة النقض عدد 170 الصادر بتاريخ 13 مارس 2015 في الملف المدني عدد 2014/8/1/2921 منشور بالتقرير السنوي لمحكمة النقض 2015 والقرار عدد 170  الصادر محكمة الاستئناف بسطات بتاريخ 18/06/2015 في الملف الاستئنافي 368/13/1403

·        جاء في الأول: "أن طرفي النزاع  في قضايا التحفيظ العقاري هما طالب التحفيظ والمتعرض، وان من انتقلت إليه ملكية العقار بإحدى التصرفات الناقلة للملكية من قبل طالب التحفيظ لا يعتبر طرفا في مسطرة التحفيظ إلا إذا انشأ مطلبا إصلاحيا حول بموجبه محل طالب التحفيظ أما المودع الذي يكتفي بإيداع السند الذي بموجبه انتقلت إليه ملكية العقار في إطار الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري فإنه لا يعتبر طرفا في مسطرة التحفيظ وإنما يحل محله سلفه في المآل الذي انتهى إليه النزاع".

·        وجاء في الثاني: "أن المستقر عليه أن المودع لا يكتسب صفة طالب التحفيظ ولا صفة المتعرض وبالتالي ليس طرفا في مسطرة التحفيظ ولا يحق له أن يتدخل فيها لا إداريا ولا هجوميا إذ مركزه مرتبط بالحق المدعى فيه بوصفه خلفا خاصا لطالب التحفيظ".

مسطرة الخلاصة الإصلاحية كما يصطلح عليها:

·        كما تعلمون أن تقديم مطلب إلى المحافظة العقارية من اجل إخضاع عقار لنظام التحفيظ العقاري لا يمنع صاحبه من إجراء جميع التصرفات القانونية بعوض أو غير عوض بشأن هذا العقار.

    ولكن السؤال الذي يطرح هو كيف يمكن للشخص الذي انتقل إليه حق قابل للتسجيل الحفاظ على     هذا الحق قبل تحفيظ العقار واكتسابه القوة التطهيرية.

·        لقد نص الفصل 83 من القانون 14.07"على أنه بغض النظر عن المسطرة المقررة في الفصل 84  من هذا القانون، ويمكن لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو الإقرار به أثناء مسطرة التحفيظ أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية  بعد إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية.

–         تتابع مسطرة التحفيظ بصفة قانونية مع أخذ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به بعين الاعتبار.

–         يكتسب صاحب الحق المنشأ أو المغير أو المقر به صفة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف به.

–         إذا كان الإعلان عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب أن يعاد من جديد ليفتح أجل شهرين للتعرض يبتدئ من تاريخ الإعلان عن الحق المنشأ أو المغير أو المقر به، وفي هذه الحالة لن تقبل إلا التعرضات المنصبة مباشرة على الحق المذكور.

–         يؤخذ بعين الاعتبار عند التحفيظ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به خلال المسطرة.

ويشترط هذا الفصل أن يتعلق الأمر بحق وقع إنشاؤه أو تغييره أو الإقرار به أثناء مسطرة التحفيظ وأن يطلب صاحب هذا الحق نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المثبتة بالمحافظة العقارية. وألا تكون القضية قد أحيلت على محكمة التحفيظ للبث في التعرضات.

وأهم أثر لهذه المسطرة  والتي يصطلح عليها بمسطرة الخلاصة الإصلاحية هو أنه إذا كان الإعلان عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب أن يعاد نشره من جديد ليفتح أجل شهرين للتعرض يبتدئ من تاريخ الإعلان عن الحق المنشأ أو  المغير أو المقر به وفي هذه الحالة لن تقبل إلا التعرضات المنصبة مباشرة على الحق المذكور كما جاء في الفصل 83 أعلاه.

مسطرة الإيداع أثناء جريان التحفيظ

بالإضافة إلى مسطرة الخلاصة الإصلاحية أقر مشرع قانون 14.07 مسطرة أخرى سميت بمسطرة الإيداع في الفصل 84 منه وهذه المسطرة تمكن المفوت له"حق من الحقوق  القابلة للتسجيل أن يستفيد من الرتبة في التسجيل والتمسك بالحق موضوع الإيداع في مواجهة الغير".

·        وهكذا نص الفصل المذكور على انه "إذا انشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه من اجل ترتيبه في التسجيل والتمسك بالحق المذكور في مواجهة الغير أن يودع بالمحافظة الوثائق اللازمة للتسجيل ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات ويسجل هذا الحق في الرسم العقاري بالرتبة التي عينت له بالتقييد السابق وذلك في يوم التحفيظ وبشرط أن يسمح به إجراء المسطرة".

وهذا الفصل يشترط:

أن يتعلق الأمر بنشوء حق قابل الإشهار كالاتفاقات بين الأحياء بعوض أو بغير عوض والأعمال التي تجد لها أساسا في القانون كمحضر الحجز العقاري والحجز التنفيذي والإحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به والمقررة لنشوء حق عقاري وكمحضر بيع العقار بالمزاد العلني.

وللإشارة فان مسطرة الإيداع ليست هي مسطرة التقييد الاحتياطي فالأولى تمارس بين تاريخ تقديم مطلب التحفيظ إلى إنشاء الرسم العقاري بينما الثانية تنصب على عقار أسس له رسم عقاري.

واهم خصوصيات مسطرة الإيداع أنه إذا كان من تلقي الملك من طالب التحفيظ مخير بين الخلاصة الإصلاحية من جهة ومسطرة الإيداع من جهة أخرى فانه لا خيار لمن تلقى حقا خاضعا للإشهار من طالب التحفيظ أن يلجأ إلى سلوك مسطرة التعرض على مطلب التحفيظ بعد أن يكون قد اختار الإيداع في إطار الفصل 84 من ظهير التحفيظ.

وفي هذه الحالة فإن السيد المحافظ يقرر رفض مطلب التحفيظ إذ قضت محكمة التحفيظ بصحة التعرض مما يؤدي إلى تشطيب على الإيداع وبهذا فانه من الأفضل لمن تلقى من طالب التحفيظ حقا قابلا إلى التسجيل أن يركن إلى مسطرة الإيداع بدلا من مسطرة التعرض.

هذا رأي الفقه وعلى رأسه ذ .عمر ازوكار، أما محكمة النقض فمرة منعت الخيار بين التعرض من جهة والإيداع من جهة أخرى ( القرار عدد 3254 بتاريخ 24/9/2008 في ملف عدد 1527/1/3/2008 غ.م ) ومرة  أخرى لم تقرر إلا الخيار بين مسطرة الخلاصة الإصلاحية من جهة ومسطرة الإيداع من جهة أخرى دون مكنة اللجوء إلى مسطرة التعرض.

والخاصية الثانية هو أن المودع يودع وثائقه  المثبتة لانتقال الحق إليه من طالب التحفيظ للاستفادة من الرتبة في التسجيل أثناء إنشاء الرسم العقاري وذلك بعد أداء الرسوم المستحقة قانونا وبالتالي فهو لا يكتسب لا صفة طالب التحفيظ ولا صفة المتعرض ولا يحق له أن يتدخل لا إراديا ولا هجوميا أمام محكمة التحفيظ.

وهذا هو ما جاء به قرار محكمة النقض وقرار محكمة الاستئناف بسطات المشار إليه أعلاه.

وكنتيجة لذلك فانه لا يحق لمحكمة التحفيظ أن تفصل في التعرض المحال عليها للقول بصحة الإيداع من عدمه، (قرار محكمة النقض عدد: 1523 بتاريخ 12/5/2004 في الملف المدني عدد3299/11/2001).

هذه بعض خصوصيات مسطرة الإيداع

أما من حيث الآثار القانونية للإيداع فهي كثيرة ومنها أن عدم سلوك مسطرة الإيداع يحرم صاحب الحق من الاحتجاج بوثائقه ورسومه بعد إنشاء الرسم العقاري إعمالا لقاعدة التطهير ويحرمه من الاحتفاظ بالرتبة بينه وبين مودع أخر.

وقد يتساءل سائل ويقول هل الاختصاص ينعقد لمحكمة التحفيظ أم للقضاء العادي إذا نشأ نزاع بين طالب التحفيظ والمودع في إطار الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري.

لا خلاف في الفقه و لا في القضاء أن الاختصاص في هذه الحالة ينعقد للقضاء العادي للنظر في هذا النزاع مشكلا تشكيلا جماعيا(قرار المجلس الأعلى عدد: 379 المؤرخ في 28/3/2002 ملف إداري عدد 706/4/1/2001).

ولا أطيل عليكم في الحديث عن آثار الإيداع و انتقل مباشرة إلى حالة التي يبادر فيها أحد طلاب التحفيظ إلى بيع نصيبه في العقار موضوع مطلب التحفيظ إلى أجني كلا أو بعضا ويرغب احد باقي طلاب التحفيظ في شفعة الحصة المبيعة سواء قام المشتري بالركون إلى الخلاصة الإصلاحية أو إلى مسطرة الإيداع.

·        ذهب رأي إلى إلزامية سلوك مسطرة التعرض دون غيرها وهذا حال المجلس الأعلى في قراره عدد: 1378 الصادر بتاريخ 28/04/2004 في الملف المدني عدد 3207/1/1/2003.

 والملاحظ على هذا القرار انه صدر قبل دخول قانون 14.07 وقانون 39.08 حيز التطبيق.

·        وذهب رأي ثاني إلى وجوب سلوك الشفيع لمسطرة إيداع دعوى الشفعة في سجل  التعرضات طبقا للفصل 84 من ظ ت ع قبل تأسيس الرسم العقاري، وهذا يمكن من حفظ الرتبة وتقييد الحكم القاضي باستحقاق الشفعة بالرسم العقاري من طرف المحافظ العقاري وإلا ضاعت حقوقه أن ركن إلى دعوى الاستحقاق دون الإيداع.

·        وذهب رأي ثالث إلى "أن الشفعة سبب من أسباب كسب الملكية وليس حقا عينيا وهي رخصة تجيز في بيع العقار أن يحل الشفيع محل المشتري لحق شائع وفق الشروط والقيود الواردة في القانون…" وبالتالي فلا مجال لتطبيق مسطرة الإيداع الواردة في ظهير التحفيظ العقاري.( انظر التعليق على قرار المجلس الأعلى عدد 616 الصادر بتاريخ 02/11/1977 في مجلة المحاكم المغربية عدد 18 ص 39).

ونحن إلى الرأي الثاني القائل بسلوك مسطرة إيداع دعوى الشفعة في سجل التعرضات طبقا للفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، أميل وذلك لان المودع ليس طالبا للتحفيظ لا متعرضا، وأن من حق أحد طلاب التحفيظ مقاضاة المودع من اجل المطالبة بحق الشفعة أمام القضاء العادي مشكلا تشكيلا جماعيا وانه حسب المادة 305 من قانون09.38 لا يعتد بطلب شفعة إلا إذا ضمن الشفيع تعرضه بمطلب التحفيظ المتعلق به وإذا صدر حكم بالشفعة يقيده المحافظ على الأملاك العقارية بالرسم العقاري لحفظ الرتبة."