نهائيات كأس العالم 2030: للمنتخبين نصيبهم الأكبر من المسؤولية!!
ترشّحنا، وفزنا بتكليف ثقيل هو أكثر من تشريف، باختيارنا من طرف الفيفا رفقة إسبانيا والبرتغال لاحتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم برسم دورة 2030… شيء جميل!!
هذا الفوز الوازن، وضع على كاهل الدولة أثقالا مُهْوِلَة، ليس أثقلَها إعادةُ بناء بعض المركّبات الكبرى واستكمال تأهيل بعضها الآخر، وفي طليعتها ملعب الدار البيضاء الكبير، الذي سيتسع لمائة وسبعة عشر ألف متفرج حسب ما صرحت به مصادر رسمية، ليكون بذلك أعتى وأشرس مُنافس لملعب بيرنابيو الإسباني بمدريد، من أجل استقبال المباراة النهائية، وقد اعترفت وسائل الإعلام الإسبانية، المتخصصة في الشأن الكروي، بأن هذا التنافس من المرجح أن ينتهي لصالح المركب الرياضي المغربي، نظرا لحداثته أولاً؛ وثانياً لأن سطاد بيرنابيو سبق له أن احتضن نهاية كأس العالم في اختتام دورة 1982.
الأهم من كل هذا، أن الدولة المغربية التزمت بتحمّل تكاليف تُحسَب بمئات الملايين من الدولارات، من أجل أن تكون أقدر على الظهور بمظهر الند الفعلي بمحاذاة دولتين أوروبيتين عريقتين في الممارسة الكروية، وذاتَيْ باعٍ طويل في ذاك المضمار، هما إسبانيا والبرتغال، وما أدرانا ما إسبانيا والبرتغال في هذا المجال بالذات!!
هذا على صعيد الدولة بمفهوم السلطة التنفيذية، فماذا على مستوى ممثلي الأمة، وخاصةً مجالسها الجماعية؟
أعتذر إذ أعبر في هذا الباب بالذات عن نوع من التشاؤم له بالتأكيد ما يبرره… فكيف ذلك؟
سأسوق مثالين يسيرَيْن على سبيل الاستئناس:
المثال الأول:
في غضون سنة 2016، استقبلت بلادنا الدورة الثانية والعشرين (الكاب 22) لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية التصدي للتغيرات المناخية، وكانت الدورة ناجحة من جميع جوانبها، بفضل الجدية والصرامة اللتين تحلّت بهما الجهات المغربية المنظِّمة، ولكن ايضاً، بفضل الخبرة الوازنة التي أبانت عنها الأطر المغربية المكلفة بالتنظيم والبرمجة والتنفيذ، الشيء الذي ترك في نفوس الوفود المشاركة أحسن وَقْعٍ، وأروع الارتسامات، فغادرت عقب انتهاء التظاهرة في أجواء احتفالية عبر أثناءها كثيرون عن اعتزامهم العودة إلى المغرب، لكن هذه المرة كسياح، للتعرف بعمق على خبايا ومباهج الثقافة المغربية وفنونها الأصيلة…
وبالرغم من هذه الحصيلة الإيجابية بكل المقاييس، لم أملك شخصيا إلاً أن أتذكر الطوابير البئيسة التي انتظم فيها كثير من المشاركين والزوار أمام مداخل المقاهي على طول وعَرض شوارع مراكش، لا لشيء سوى للدخول إلى المراحيض، مما جعل بعض أصحاب المقاهي يفرضون أتاوات مالية، على كل من أراد قضاء حاجته، لا تقل عن ثمن فنجان قهوة، أو كأس شاي، لأن مراكش بقدها وقديدها لا تتوفر على مراحيض عمومية في المستوى، باستثناء دور المياه الملحقة بالمساجد، والتي غالبا ما تكون في أسوء الحالات في الأيام العادية، فما بالنا وزوار المدينة بتلك المناسبة تخطت أعدادهم كل المقاييس؟!
باختصار، وبالرغم من تجهيز فضاءات مؤتمر الكاب 22 بمراحيض مؤقتة من النوع المتنقّل، والتي كانت جيدة وكافية في عين المكان، فإن المؤتمرين وزوار تلك الفضاءات سرعان ما كانوا يجدون أنفسهم في مواقف بالغة الحرج بمجرد مغادرتهم لمقر التظاهرة باتجاه المدينة الحمراء ومآثرها… ولا أخفيكم أنني كنت أكثر من أولئك الزوار إحساساً بالحرج، حتى أنني كنت أتحاشى نظراتهم وكأنني المسؤول عن تلك “الفاجعة”، وقد كانت فاجعةً في إبّانها بامتياز!!!
المثال الثاني:
قبل أيام معدودة، وتحديدا في يوم الأحد، الذي شهدت فيه عاصمة المملكة مسيرتها المليونية لدعم الكفاح الفلسطيني، شهدت مقاهي المدينة ومختلف فضاءاتها طوابير مماثلة انتظم فيها مئات المواطنين لنفس الغرض، ونفس الرغبة في قضاء حاجاتهم الطبيعية، وشهد المرحاض العمومي الوحيد والمحادي لسور باب الأحد، قبالة السوق المركزي، ازدحاما غير طبيعي للرجال والنساء والأطفال من الجنسين، مما كان يتسبب في مناوشات بين المتدافعين بالمناكب والرُّكَب، وقد كانوا جميعهم معذورين، وخاصة المصطحِبين منهم لأطفال في عمر الزهور كانت تبدو على محياهم علامات الضيق والانحسار، حتى أن منهم من اضطر أبوه أو أمه إلى تغيير سرواله أمام الملأ!!!
بالمناسبة، فعاصمة الأنوار، الرباط، وهي إحدى أهم المدن المستقبلة لمباريات نهائيات كأس العالم 2030, لا تتوفر بالتمام والكمال سوى على مرحاض السوق المركزي ذاك، خارج سور المدينة العتيقة، فضلا عن ثلاث دور مياه داخل السور، واحد في شارع السويقة بجانب مسجد مولاي سليمان، وآخر عند مدخل سوق السباط بنفس الشارع، والثالث في القناصل حيث يوجد سوق الزرابي، وعدا ذلك، لا توجد سوى المراحيض الصغرى الملحقة ببعض المساجد، والتي أقفل معظمُها أبوابَه نظرا لانعدام الصيانة وسوء الحال، وصار بعضها القليل مقصورا على بعض التجار المزاولين بالمدينة العتيقة بحجة أنهم يشرفون على التنظيف والعناية من تلقاء أنفسهم، وبذلك احتكروها لاستعمالاتهم الشخصية ووزعوا مفاتيحها فيما بينهم…
هذا يعني أن عاصمة المملكة لا توجد بها مراحيض عمومية بالمفهوم الحضَري للكلمة!!!
هذه المعضلة تشكو منها أيضاً العاصمة الاقتصادية بشكل أكثر حدة، بالرغم من سعة فضاءاتها الحضرية وقدرتها على استقبال أكثر من ألف مرحاض عمومي بلا أدنى إشكال!!!
وما قيل عن مراكش والرباط والدار البيضاء يسري على فاس وأكادير وطنجة… بمعنى أن استقبال هذه المدن لمئات الآلاف من “السياح الكرويين”، وربما أكثر بقليل أو كثير، سيكون مناسبة لانفجار فضيحة من العيار الثقيل تحت مٌسمّى: “العجز المزمن وغير المبرَّر للمجالس المفربية المنتخبة عن القيام بأبسط واجباتها”، المتمثلة في تجهيز كافة دوائرها الترابية بما يكفي من المراحيض العمومية لفائدة ساكنتها وزوارها، مع العلم بأن هذه المهمة تدخل في ألف باء المسؤوليات المنوطة بالمنتخبين في كل بلاد العالم، لولا أن منتخبينا ليسوا كما يبدو من أهل هذا العالم!!!
هذه واحدة، وإليكم أخرى أقبح وأفظع وأشد خطورة (انظروا الصورة المرفقة لنقل اللحوم).
إن هذه الصورة الفضائحية لا تحتاج إلى أي تعليق أو إطناب، فهي تتحدث عن نفسها، والأكثر من ذلك، أنها تحمل كل القدح والذمّ والتبخيس في حق المجالس المنتخبة ذاتِها… ولعلم القارئ الكريم، فهذه الصورة ملتقطة في شارع بوقرون بالمدينة العتيقة بعاصمة الأنوار، التي هي عاصمة المملكة بالمناسبة، وأنها لم تُلتقط قبل الاستقلال، ولا في السنوات الأولى منه، بل إن عمرها لا يزيد على ثلاثة أيام، فانظروا أكرمكم الله ما الذي سيحصل عندما ينصدم زوار عاصمة الأنوار بمناسبة احتضانها لمباريات نهائيات كأس العالم بمثل هذا المشهد، القبيح والمُخزي بكل المعايير، والذي ينم عن قبح أفظع لمؤسسات منتخبة اِنقضت على تأسيس أولى مجالسها أكثر من خمس وخمسين سنة، وما زالت تجهيزاتُها الحضرية على ذي الحال، وفي عاصمة البلاد، يا عباد، مع العلم بأن سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت أفضل حالا، لأن الشاحنات الجماعية لنقل اللحوم كانت تدخل إلى كل شوارع المدينة العتيقة، وكانت مجهزة بثلاجات مناسبة رغم بساطتها وتآكل هياكلها بفعل عوادي الزمن!!!
ولا حاجة للحديث عما تهدد به وسيلة النقل، البادية في الصورة المرفقة، من خطورة على الصحة العامة، وعلى الصورة التي تنفق الخزينة العامة ملايير الدولارات حتى تكون في مستوى مغرب صاعد يعترف له العالم كله بسيره الحثيث نحو المزيد من التقدم والتألّق!!!
أعتقد أن هذا يكفي، لكي نعلم أن المصيبة التي مُنِيَت بها بلادُنا “الصاعدة في مجالات كثيرة بكل تأكيد” إنما هي مجالسها المنتخبة، التي تسير بذكر فضائح بعض رؤسائها ومستشاريها الركبان، ويكفي إلقاء نظرة عابرة على تقارير المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات، ليتأكد المتتبع أن الخطر الداهم، والذي يمكن أن يصيب استعداداتنا في مقتل، ويقوض بالتالي فرحتنا المشروعة باستقبال ضيوف الأعراس الكروية، إنما هي مجالس مدننا وحواضرنا، الضاربة جذورها في تربة الفساد الإداري، والفاقد بعض أعضائها، حتى لا أقول معظمهم، للحس الوطني، وللشعور بالمسؤولية، والمصابة ضمائر أعداد غفيرة منهم بسُباتٍ، اللهُ وحده يعلم منتهاه!!!
ومن قال غير هذا فليقابلني!!!