قمة القمم في الغباء: أغرب شروط في التاريخ الحديث!!!
استوقفني أحد الفيديوهات صبيحة هذا اليوم المشمس، شديد الحرارة، لمواطن على قدر كبير من النشاط والحيوية، يمتلك قناة مواطِنة يجنّدها للدفاع المستميث عن قضية وحدتنا الترابية والوطنية… فراعني ما سمعته لدى هذا المواطن الغيور من تعدادٍ لما سماه شروطا جزائرية، سبعة، وضعها النظام الجزائري العجوز كمطالب لا رجعة فيها، حتى يتسنى له القبول بفتح الحدود بين البلدين الجارين، وحتى يسمح، فضيلتُه (!!!) بعودة المياه بينهما إلى مجاريها!!!
سوف لن أطيل كثيرا، وسأمر رأسا إلى استعراض تلك الشروط قبل التعقيب عليها الواحد تلو الآخر…
بيد أنني مضطر إلى تحذير القارئ من “تسونامي ضحك” لاشك أنه سيصيبه، وأنصحه بالمناسبة بوقف الأكل والشرب إن كان يأكل أو يشرب حتى لا تصيبه غصة، وإبعاد أي شيء يمكن أن يسبب له خدشاً أو جرحاً في حالة سقوطه من فرط هستيريا الضحك وهو يطالع هذه الشروط… وقد وقع لي هذا المحظور أثناء سماعها لأول وهلة، وبشكل مفاجئ لم يترك لي فرصة اتخاذ مثل هذه الاحترازات!!!
الشرط الأول: وقف الحملات العدائية ضد الجزائر!!!
الشرط الثاني: التعويض عن حقوق الجزائريين الذين تعرضوا للطرد من المغرب بعشرين مليار دولار!!!
الشرط الثالث: تنظيم استفتاء شعبي حول مستقبل النظام الملكي بالمغرب!!!
الشرط الرابع: منع تجنيس الإسرائيليين بالجنسية المغربية!!!
الشرط الخامس: إلغاء الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع إسرائيل وقطع العلاقات معها بالكامل!!!
الشرط السادس: الكف عن سرقة التراث الجزائري!!!
والشرط السابع: تمكين الصحراويين من تقرير المصير والتنازل رسمياً عن “الصحراء الشرقية”!!!
أرجو أن يكون القارئ قد أخذ قسطه من الضحك، قبل أن نمر إلى التعقيب على هذه … ماذا أسميها؟ والله لا أعرف!!!
للرد على الشرط الأول نسأل: مَن الذي جنّد رئيس دولته بلحمه وشحمه، ووزراء خارجيته الواحد تلو الآخر، ووسائل إعلامه الرسمي، وسفرائه في جميع بقاع المعمور… ليس لمعاداة المغرب والمساس سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا بوحدته الترابية فحسب، بل أيضاً، لتوجيه أقذع أشكال السباب والشتيمة له نظاما وشعباً، وللنيل من كرامة نسوته… دون مراعاةٍ لأي بند من بنود القانون الدولي، المكرسة لواجب احترام سيادة الدول، وعدم التعرض بالضرر لوحدتها الترابية وترابها الوطني؟!
مَن الذي بادر إلى تجنيد ميليشيات إرهابية لقيطة ينتمي أفرادها إلى أكثر من شعب وأكثر من بلد، ومدها بالمال والعتاد وبمختلف أنواع الأسلحة، ثم دفعها دفعاً مُبْرِحاً إلى مهاجمة المغاربة انطلاقا من “التراب الجزائري”… (بين مزدوجين في انتظار أن يعود هذا التراب إلى بلده الأم)؟!
وللرد على الشرط الثاني: مَن الذي عمد إلى طرد 45 ألف أسرة مغربية، أي ما يعادل 350 ألف نسمة، فيما سماها بوخروبة “مسيرةً كحلة”، نكاية في المسيرة الخضراء، حتى أنه حرص على أن يكون عدد ضحايا الطرد مساويا لعدد المشاركين في تلك المسيرة المظفرة، وهو طرد إجرامي بكل المقاييس، ومخالف للقوانين والأخلاق والأعراف الدولية، حتى لا أقول “الإسلامية”، لأن الفاعل لا يُعقَل أن يكون مسلما بأي معيار من معايير الدين القيّم… كما حرص على أن يتم ذلك الجُرم المشهود في صبيحة يوم العيد الأضحى، ففرّق به بين المرء وزوجه، وبين الآباء والأبناء، وبين الأسر والأهل والأقارب من المغاربة والجزائريين على السواء، فاكتوى بنيران هذه الفعلة البشعة مواطنون مسالمون من كلي الطرفين، وغنمت الجزائر في هذه العملية الإجرامية آلاف الدور المفروشة، وآلاف الهكتارات الزراعية، وملايين حتى لا نقول ملايير الدولارات من الأرصدة البنكية، ومن العملات النقدية التي كانت موجودة بمنازل المطرودين وفي جيوبهم ومحفظاتهم، حتى أن منهم من ألقِيَ بهم في الحدود بين البلدين حفاةَ عراةَ إلا من خِرَقٍ تستر بالكاد عوراتهم، رجالا ونساءً، أطفالا وشيوخاً من الجنسين؟!!
فمَن الأجدر هنا بالمطالبة بالتعويض بملايير الدولارات، علما بأن الجزائريين الذين غادروا المغرب في نفس الآونة لم يطردهم أحد، وإنما غادروا إلى وطنهم وديارهم مختارين، بعد أن أشعرتهم فعلة رئيسهم بالخزي والعار والمهانة ولم تعد لديهم الجرأة على النظر في أعين مواطنين مغاربة استضافوهم وأحاطوهم بكل أسباب الرعي والاعتبار وحسن المعاملة… لأن هذه هي أخلاق المغاربة الموروثة أباً عن جَد؟!
للرد على ثالث الشروط: أي عقل هذا الذي ابتدع هذا الشرط الثالث، الداعي إلى تنظيم استفتاء شعبي مغربي يتحدد على ضوئه مصير النظام الملكي، الذي تجمعه بالمغاربة أواصر لن يفهمها اللقطاء مهما علا شأوهم في التربية والتعلّم والتحصيل، ثم ما الذي يجعل نظاما كهذا يحشر أنفه في علاقة نظام أجنبي بمواطنيه، وملك بشعبه، وقائد مسيرة بجنوده المجندين وراءه في مواجهة سِقْطِ متاع التاريخ المغاربي هؤلاء… لأن مجرد النطق بهذا الشرط يدل بما لا يدع أدنى مجال للشك على أننا بإزاء نوع بالغ الخطورة وغير مسبوق ولا نظير له من الأمراض شبيه في آن واحد بالغباء والخِسَّة والدونية مع فقدان أي ارتباط بالواقع؟!!
أما الشرط الرابع: فكونه يقتضي منع اليهود المغاربة وأبناءهم وحفدتهم، من التجنس بالجنسية المغربية، فإنه يفضح إلى أي مدى تتغلغل العنصرية والميز العرقي في نظام لا عرق له، وليست له إثنية واضحة ومعروفة، لأنه يجسد من تلقاء ذاته مقام اللقطاء في أبهى صوره، من حيث اشتمالُه على خليطٍ غريبٍ وغيرِ متجانس من الدم الأمازيغي، والفينيقي، والتركي القوقازي، والتركي الكرغولي، والفرنسي، والإفريقي، والإسرائيلي ذاته… وربما كان هذا الأخير، بالذات، هو السبب في تنكره للعرق الإسرائيلي إمعانا في إخفاء أصله الملتبس والمتنكّر لذاته قبل أن يتنكّر له غيرُه؟!!
فأي شرط هذا الذي يحشر أنف صاحبه فيما لا شأن له به، بل ويحشره في عروق دم يفترض أن لا تتسلل إليها مكراً وغدراً إلى الجراثيم والميكروبات… وقد أثبت واضعوا هذا الشرط أنهم فعلا فصيلة من الجراثيم البشرية بل أحطّ قيمةً وأدنى منزلة؟!!
وأما الشرط الخامس: فلن نطيل في التعقيب عليه، لأنه يفضح من تلقاء ذاته، وبالمكشوف، مدى الرعب المسيطر على نظام الكراغلة من جراء التطور الحثيث الذي حققه الجيش المغربي نوعياً، حتى صار بلا مغالاة أقوى جيوش البحر الأبيض المتوسط بلا منازع… ولأن العبرة بما سيأتي، فسيصير في مستقبل الشهور، ولا أقول الأعوام، قوةً إقليمية وجهوية وقارية لا تقل وزنا وفاعلية وتجهيزا وتدريبا عن جيوش الاتحاد الأوروبي قاطبة… ولن نغالي إذا قلنا إن القوات المسلحة الملكية المغربية لن تعدم في المستقبل القريب أن تكتسي نفس الوزن الحربي الذي تنفرد به القوات الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والبوسفور!!!
وأما الشرط السادس: فيعتبر بحق، أكثر هذه الشروط إثارة للضحك، والسخرية السوداء، لأنه يستوجب الاشتغال على معادلة رياضية مقلوبة ومشوّهة، وبالتالي يستحيل حلّها بأي طريقة من الطرق، تقتضي أن تكف “الدولة الأمة”، التي يعود تاريخها إلى حوالي ثلاثة عشر قرنا، عن سرقة تراث دولة لقيطة، بكل المعايير الدولية، استصدرت شهادة ميلادها من الرئيس شارل ديغول قبل نحو نيّف وستّين سنة من عام الله هذا؟!!
وهذا لَعُمْري، شرط تعجيزي لأنه مبني على خواء عقلي ومفاهيمي يقلب الحقائق رأسا على عقب، ويعبث بذكاء العقل الإنساني، إذا سلّمنا جدلاً بأنه صادر عن إنسان بالفعل؟!!
ثم يأتي الشرط السابع، ليتوّج هذا الركام من الفراغ العقلي والنفسي الفظيع والمرعب… مطالبا المغرب بأن يتسلّم مشعل العبث من نظام العساكر العجزة والمخرفين، فيقبل من تلقاء ذاته، وبأريحية لا يتمتع بها إلا “عقلاء مراكز الطب النفسي والعقلي”، بإتمام إجراءات تأسيس “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والشعبية”… وتحيا الحرية!!!
غير أن شهادة الغباء الكبرى في هذا الشرط، أنه ينتهي بإقرار نظام الأغبياء، من حيث لا يدرون، بمغربية الصحراء الشرقية!!!
والآن… أليست هذه قمة القمم في الغباء السياسي، والمعرفي، والوجداني، والعاطفي… إلى آخر القائمة؟!!
_____
المصدر: https://youtu.be/jkn_P96CvO8