فرنسا على وشك الغرق..وعلينا ألاّ نكون الغريق الذي تمسّك به الغريق!!!
ما يحدث الآن في فرنسا ليس بسبب مشروع ماكرون.. الغبي بكل المعايير لأنه شكّل القطرة التي أفاضت الكأس.. بل هو بسبب تراكم إخفاقات متتالية للنموذج الفرنسي.. الذي لم يعد قادرا حتى على إقناع ذاته.. فبالأحرى أن يستمر في إقناع المتعاملين معه من كل الجغرافيات والمشارب…
إن الذي يقع في فرنسا.. الآن.. يُعاد إنتاجه يوما بعد يوم في كل بلاد الغرب والشمال من الكرة.. ومن أبرز مظاهره هذا التضخم المتغَوِّل والمتنمّر.. والذي يسحب نظاماً عالمياً.. لم يعد جديدا بكل تأكيد.. نحو حفرة أو دوامة كالإعصار.. يمكننا أن نسميها أزمة مالية عالمية.. بينما هي في حقيقة أمرها.. كما سيتضح لنا جميعا بعد فوات الأوان.. أزمة قِيَم.. وأزمة مبادئ.. من أبسط مظاهرها أن تعم المجاعة كافة أقطار المعمور.. بغض النظر عن التصنيفات المضحكة التي ما زال البعض يعض عليها بالنواجد.. والتي تقسم العالم إلى أول وثانٍ وثالثٍ.. إذ الغد.. القريب جدا.. ينذر بانتماء هذه العوالم الثلاثة دفعة واحدة إلى عالم رابع أو خامس أو حتى سادس.. بالمقاييس التي كنا نقيس بها التقدم والتراجع والتطوّر والتخلّف!!!
كل هذا لا يهمنا كثيرا فيما نروم تبيانه في هذا المقال.. وإنما الذي ينبغي أن نهتمّ به ونغتمّ.. هو أن فرنسا.. ومن يدور معها في نفس الفَلَك من بلاد الغرب.. لن ترضى بالسقوط من علٍ دون أن تجرنا معها إلى أسفل سافلين… فكيف ذلك؟
لقد بدأت فرنسا أولى خطواتها.. السائرة في هذا الاتجاه الخطير.. بجرنا إلى خصومة تبدو مبرراتها مصنوعة بالكثير من التكلّف والتصنّع:
– تقليص منسوب التأشيرات الممنوحة للمغاربة الراغبين في زيارتها إلى النصف.. بغض النظر عن أسباب الزيارة.. وبغض النظر عن الانتماء الفئوي للزوار المعنيين؛
– تضييق الخناق.. إلى أقصى الحدود.. على المغاربة الموجودين فوق التراب الفرنسي.. من الذين كانت الإدارة الفرنسية تتغاضى عن بعضهم وتقدم تسهيلات مشكورة لبعض آخر منهم لتسوية وضعيته بمختلف الطرق التي تتيحها القوانين المعمول بها في مجال تدبير الهجرة؛
– الاستمرار في التموقع في المنطقة الرمادية فيما يخص قضيتنا الأولى.. والنزول الطوعي إلى قعر تلك المنطقة.. بما يوحي برفض فرنسي رسمي تام لأي مراجعة لهذا المنطق الاستعماري.. إذ فرنسا.. بالذات.. هي الممسكة بمعظم الوثائق المؤكدة في نظر القانون الدولي لمغربية الصحراءَيْن.. الغربية والشرقية.. لأنها كانت المهندس الرئيسي للحمايتين الفرنسية والإسبانية.. ولذلك انتهى الأمر بإسبانيا إلى العودة لرشدها.. والانقلاب على شريكة الأمس.. فيما يعتبَر إقرارا إسبانياً بأن فرنسا هي التي جرّت إسبانيا إلى مغامرتها الشمال إفريقية.. بعد أن وعدتها بالإبقاء أبدياً على خيرات صحراء الجنوب المغربي داخل جيوب الإسبان.. بدون منازع.. مقابل إبقائها هي على التراب الجزائري كمقاطعة فرنسية لما وراء البحار.. إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.. ولذلك ضمت إليها مناطق شاسعة من التراب المغربي.. تعتبر من أغنى المناطق المغاربية من حيث الثرواتُ الباطنية؛
– الدخول في لعبة أكثر خطورة على فرنسا ذاتها.. وهذا ما أثبته الواقع فعلاً.. بمحاولتها إفساد الود المغربي الإفريقي.. بمجرد عودة المغرب الميمونة والناجحة إلى بيته الإفريقي.. دون أن تحسب حساب تذمّر أفارقة اليوم من مستعمِرهم السابق.. وضيقهم ذرعاً باستمراره في النهب والسلب تحت يافطة المساعدة على محاربة الإرهاب.. بينما الأفارقة.. والعالم من حولهم.. يعون بأن فرنسا هي المغذي الرئيسي للجماعات الإرهابية في بلدان الساحل والصحراء.. وأن إرسالها طائراتها العسكرية المستبيحة للسيادة والأجواء الجزائرية ليست إلا ذرّاً للرماد في عيون المجتمع الدولي.. الذي ضاق بدوره ذرعاً بهكذا لعب على المكشوف؛
– وأخيراً وليس آخراً.. اختيارها لنوع أشد خطورة وميكيافيلية من كل ما سبق ذكره.. عن طريق تحريكها لبيادقها ودمياتها الحاكمة بالجزائر.. لتدوير عجلة الحرب المعلنة بالوكالة ضدنا.. باستعمال كراكيز البوليساريو ووفود حزب الشيطان الإيراني.. والإعداد لضربة أو ضربات عسكرية ضد قواتنا في أقاليمنا الجنوبية.. توطئة لهجوم عسكري جزائري خاطف.. تطمع فرنسا أن ينتهي إلى وضع بقعة موسعة من أقاليمنا الجنوبية.. أو المنطقة العازلة على الأقل.. في أيدي ميليشيات الجزائر الجنوبية.. أو في أيدي حرس الجمهورية الخامسة الذين يرأسهم الحارس الأكبر شنقريحة.. وكل ذلك.. لمعاقبة المغرب على استقلاليته التامة عن الوصاية الفرنسية.. بل وعلى تجرّئه غلى طرد الشركات والأبناك الفرنسية من بلدان إفريقية كانت فرنسا إلى الأمس القريب ترتع فيها وتلهو كيف تشاء…
إن ماكرون ماكر.. ومنافق من الطراز الرفيع.. ولكنه بموازاة ذلك ينم عن غباء منقطع النظير عندما يحاول أن يداوي خطأً بخطأ أفدح.. وهذا ما يحاول التمادي فيه فعلا إزاء مغرب لم يفطن ماكرون نفسه تحت وطأة غبائه السياسي الشديد إلى أنه تغيّر بمائة وثمانين درجة عن المغرب الذي عرفه في بداية ولايته الرئاسية السابقة!!
سبق أن قلت في مقال سالف أن فرنسا ستلعب سياسة الأرض المحروقة.. وأنها ستحاول ترك إفريقيا بعد أن تزرع فيها قنابل موقوتة.. من قبيل ضرب الأفارقة بعضهم ببعض.. ونموذج النعرة الحاملة لشعار: “إفريقيا للأفارقة السود دون غيرهم” غني عن التعليق..فضلا غن نموذج السخرة التي تؤديها المراديا للشاه المتهالك ماكرون!!
هناك إذَن حرب على الأبواب ستشنها الجزائر بطريقة من الطرق ضدنا.. دون أن تضع في حسبانها التغيّر الجذري لموازين القوة العسكرية في المنطقة.. والتي صارت منذ أكثر من سنتين لصالح القوات المسلحة الملكية.. من الناحية النوعية على الخصوص.. ودون أن يُدخِل قائدُ جيوشها المتهور شنقريحة في روعه أنه إن قام بهذه المغامرة فسيعرِّضْ بلاده لصدمة تفوق كمّاً وكيفاً صدمة 1963.. التي خلّدت في المخيال الجزائري مقولة “حكرونا المراركة”!!!
فرنسا إذَنْ تغرق.. وعلينا ألاّ نلعب دور القشة التي قد يتشبّث بها الغريق!!!