دور التقدم التكنولوجي في الرفع من جرائم النصب الاليكتروني:
مساهمة في دراسة عولمة الظاهرة
شهد العالم المعاصر تقدما تكنولوجيا هائلا، أسهم بلا شك في الرفع من التنمية المنشودة، بتحقيق الوفرة الانتاجية والتعجيل بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، كما تم اختزال المسافات الطوال، وفتحت الدول حدودها طوعا أو كرها، فتمت مشاركة الافكار بين مختلف البشرية بغض النظر عن تنوع الثقافات والقيم، وأضحى العالم قرية صغيرة يتقاسم الأفكار والوقائع والأحداث، بشكل لا يمكن معه إلا التسليم بكون هذا الزائر التكنولوجي، فرض نفسه، وأصبح بحق مكسبا إنسانيا، وليس ملكا لمجتمع دون غيره
وهكذا أضحت العقود التجارية والمعاملات الاقتصادية، تبرم بواسطة الحاسوب، وتنجز اثارها القانونية ولو أنها في حقيقة الامر، تمت بين أطراف متباعدة ، انعدمت الحضورية،وتنافى تلاقي أللإيجاب فيها بالقبول بمجلس واحد، ولم يزد الأمرعلى الاتفاق عن بعد حول الشروط المطلوبة من الطرفين، وتبادل الضغط على الزر لتتم العملية ببساطة غير متوقعة
كما أن هذا التقدم لم يكن حكرا على الاقتصاد، بل تعداه إلى المجال الإداري والقضائي والسياسي حتى، إذ توصل الإدارة خدماتها المتنوعة للمرتفقين دونما حاجة لضياع الوقت والجهد والمال، وتعقد المحاكم جلساتها عن بعد، في ظروف استثنائية كهاته التي نحياها، بمناسبة انتشار فيروس كورونا المستجد، كوفيد19، ضمانا لحقوق المعتقلين، ورغبة في تحقيق المحاكمة الجيدة، ودرأ لانتشار الوباء
وعلى المستوى الثقافي، فبمجرد الضغط على اسم المكتبة والمواقع الثقافية تحير في اختيار الكتب التي تزخر بها تلك المكتبات، والمراجع القيمة المتاحة بها، ونفس القول يصدق في الشق السياسي حيث تنعقد الاجتماعات بين المسؤولين السياسيين عن بعد، ربحا للوقت أو درأ لمفسدة انتشار الوباء المعلوم في وقتنا الحالي …إلخ.
لكن هذه الايجابيات و التي لا يأتي عليها الحصر، قابلتها جملة من السلبيات، أدت بلاشك إلى التقليل من الفوائد الجمة لهذا التقدم التكنولوجي، معطية انطباع الخوف والحذر للمتعاملين بها، وذلك بظهور جرائم جديدة، فاقت بدقتها وسرعة تحولاتها تصور التشريعات الحديثة المقارنة، ولم تقدر بالتالي على تأطيرها واحتواءها، كما تم تطوير جرائم قديمة من قبيل الاختلاس والسرقة والتغرير، بأسلوب محكم لا تقدر على مسايرته التشريعات و النصوص القانونية.
و يعتبر النصب الإلكتروني من أبرز مظاهر الاعتداء على الحقوق الفردية و الجماعية، و حريات الأشخاص و الجماعات على حد سواء، وفق تمظهرات معقدة، يعجز الإنسان البسيط على إستعابها و إدراك أساليبها الاحتيالية، فسرعان ما يقع في شرك مصيدتها.
و بالرجوع إلى موضوعنا المسائل لدور التقدم التكنولوجي في الرفع من مستوى النصب الإلكتروني، نرى معالجته من خلال محورين، نتحدث عن النصب الإلكتروني في محور أول، مبرزين أهم مظاهره و وكذا نتائجه على الحياة البشرية بصفة عامة، و خاصة في شقها المتعلق بالاستقرار السياسي و ألمعاملاتي و الأخلاقي، فيما نفرد الحديث من خلال المحور الثاني، عن دور التقدم التكنولوجي في تدويل النصب.
لكن نرى التعريج عن الكلمات المفاتح قبل معالجة المحاور أعلاه أمرا هاما، وخطوة لا مناص منها، حتى تستقيم الرؤيا، و يتضح المقصود
الكلمات المفاتيح:
- التقدم التكنولوجي
قبل القرن العشرين، لم يكن المصطلحTechnology مشهوراً في الإنجليزية، وغالباً ما كان يشير إلى وصف أو دراسة الفنون المفيدة.
و كان المصطلح متعلقاً بالتعليم الفني في الغالب، كما في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
لكن ما فتئ أن تغير اصطلاح تكنولوجيا، وبشكل ملحوظ خلال المائتي سنة التي خلت، تم تصاعدت العبارة "تكنولوجيا" حتى اشتهرت في القرن العشرين مع الثورة الصناعية الثانية.
لكن تغيرت استخدام التكنولوجيا على المدى ، وبشكل كبير خلال السنوات المئتين الماضية، وكان هذا المصطلح شائع في اللغة الإنجليزية، وعادة ما يشار إلى وصف أو دراسة الفنون المفيدة. وغالباً ما يرتبط مصطلح التعليم الفني، كما في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
و برزت على الساحة في القرن القرن العشرين في اتصال مع الثورة الصناعية الثانية و تطور بعدها المصطلح، ولكن على قدم مساواة بارزة ، برز تعريف التكنولوجيا والعلوم التطبيقية كمصطلحين متداخلين، وخاصة بين العلماء والمهندسين، بالرغم من أن معظم علماء الاجتماع الذين يدرسون التكنولوجيا يرفض هذا التعريف.
- النصب الإلكتروني:
النصب لغة: تختلف المعاجم اللغوية في تعريفها للنصب من حيث المبنى، لكنها تتحد من حيث المعنى، على أنه في أكثر معانيه انتشارا يقصد بالنصب اعتماد أساليب احتيالية للاستلاء على أشياء مملوكة للغير، فغالبا ما يقع الأشخاص ضحية عملية نصب قد تختلف من شخص لآخر ، مستعملا أساليب تكنولوجيا حديثة
وفي تعريف اخر للنصب المعلوماتي أو الاليكتروني: هو استخدام التضليل من أجل الحصول على أموال أو ممتلكات الغير بطرق غير مشروعة، كإعطاء ضمانات وهمية كافية لإيقاع الضحية في شرك مصيدة الجاني، مستعملا أساليب تكنولوجية للوصول إلى هدفه.
- النصب قانونا:
تعاملت التشريعات الحديثة المقارنة، و المذاهب الفقهية مع تعريف النصب وفق تصورات مختلفة ارتبطت باختلاف المجتمعات نفسهاو ثقافتها المتنوعة.
وعلى الرغم من أن التعريف لا يدخل ضمن اختصاص المشرع، الذي يترك المجال للفقه والقضاء للإعطاء تعريفات للمؤسسات القانونية، والمفاهيم التشريعية، فإن بعض التشريعات عرفت جريمة النصب، ومنها مشرعنا المغربي.
فالمشرع المغربي مثلا جعل جريمة النصب، جريمة قائمة الذات مستقلة عن بجرائم الأموال الأخرى، وخصها بنص تشريعي وهو الفصل 450 من القانون الجنائي، نظرا لتبوئه موقعا متقدما في مصاف الجرائم الخطير
والملاحظ أن بعض التشريعات حاولت حصر حالات النصب بذكرها كاملة، مثل ما نجده في المادة336 من قانون العقوبات المصري : يعاقب بالحبس كل من توصل الى الاستلاء على نقود أو عروض أو سند دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول وكان ذلك بالاحتيال لسلب ثروة الغير أو بعضها باستعمال طرق احتيالية من شانها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي… إلخ
- عولمة النصب:
و يقصدبها تدويل جريمة النصب لتصبح ذات طابع عالمي و بعد كوني لا تكاد دولة من الدول أو مجتمع من المجتمعات،تخلو من وجود هذا السلوك غير القانوني و الأخلاقي.
- الجريمة الالكترونية:
هي تلك الجريمة ذات الطابع المادي، التي تتمثل في كل سلوك غير قانونيمرتبط بأي شكل بالأجهزة الالكترونية يلحق ضررا بالغير.
و بتعريف شامل ومختصر:هي جميع الجرائم التي تلعب فيها تكنولوجيا المعلوميات والاتصال دورا أساسيا، تسبب ضررا للغير.
المحور الأول: النصب الاليكتروني.
من نافل القول إن النصب ، جريمة متكاملة الاركان، حيث تتجمع فيها الأركان التكوينية للجريمة بصفة عامة، من قصد جنائي، وركن مادي، وركن قانوني، يكمن في تأطير هذه الجريمة بنصوص قانونية وعلى مدى التشريعات الحديثة والمقارنة.
غير أن النصب المعلوماتي، لم تتخذ بعض التشريعات المقارنة موقفا واضحا ومحددا في تجريمه، والنص صراحة على العقوبة المترتبة عليه، ومنها التشريعين المغربي والفرنسي، اللذان أفردا نصوصا جنائية للعقاب على هذه الجريمة بغض النظر عن الوسيلة التي ارتكبت بها.
وخلافا للتشريع، فالفقه الفرنسي يعتبر الغش والخداع في مجال الأنظمة المعلوماتية لسلب المال يتحقق بالطرق الاحتيالية بمفهومها المستقر الذي يتمثل فيكذب تدعمه أعمالا مادية ، ويتحقق باستخدام الجاني للمستندات التي يخرجها من النظام المعلوماتي، بناءا على ما يقع في برامجه أو بياناته المخزنة داخله من بيانات، تلاعب كي يستولي على أموال الغير[1]، وتتساوى النتيجة كيفما كانت نية المجرم، أي سواء كانت نية المجرم المعلوماتي تتجه نحو النهب وسرقة أموال الغير، أو قصد من وراء فعلته التي فعلها الانتقام أو الإساءة.
وتعتبر الشركات و الأبناك الأهداف الكبرى للنصب الاليكتروني، حيث الاموال التي يتصيدها هذا النوع من المجرمين، ولأجل تحقيق هدفه المنشود، لابد أن يتوفر على قدر هام من الذكاء الاجرامي، والممارسة الميدانية في مجال المعلوميات[2]، فلا يتصور أن يمارس هذا النوع من الجرائم، إلا المتمرس في ميدان النصب بواسطة الحاسوب، فالمسرح ميدانا للأذكياء، وأداة الجريمة هي الحاسوب المرتبط بالشبكة العالمية، ، ومن هنا تعتبر جريمة النصب المعلوماتي أو الاليكتروني، جريمة عابرة للحدود، متجاوزة لعنصري الزمان والمكان ،مختلفة تمام الاختلاف عن الجريمة التقليدية.
ومن الصور المتخذة في هذا النوع من الجرائم، تقمص صفة جمعية خيرية، ناشطة في المجال الاجتماعي، حيث يتم جمع الأموال عبر مواقعهم، بدعوى توزيعها على الفقراء والمحتاجين ، كأسلوب خسيس لتنفيذ مخططاتهم المنحرفة، حيث تلعب على مشاعر المخاطبين، محاولة إقناعهم بقيامها بدور خيري لفائدة هذه الفئة الهشة، مما تكسب معه عطف الناس، وتجني مبالغ مالية قد تفوق التصور.
ومن صور النصب المعلوماتي المتكررة في هذا الشأن أيضا ،تلك الاساليب الاحتيالية التي يمارسها البعض، في خداع الافراد اللذين يرغبون في الهجرة إلى دول أخرى، مستغلين ظروفهم المادية ومستوياتهم الفكرية للنصب عليهم حيث يتم استعمال الشبكة العنكبوتية للدعاية بوجود عقود عمل بمقابل، موهمين إياهم بحسن نيتهم، والحال أنه لاشئ من هذا يحصل على أرض الواقع، إذ يتم إغراق الضحايا في البحر للتخلص منهم، بعد سلبهم من جميع أموالهم[3]….
يتبع
[1] – انظر بهذا الشأن الدكتور ادريس النوازلي جريمة النصب المعلوماتي، قانونا ،واقعا وقضاء، سلسلة النوازلي الاليكترونية 3 المطبعة والوراقةالوطنية ط2015 ص14
[2] – انظر بهذا الشأن عبد العزيز موهيب، الجريمة المعلوماتية بين ثبوت النص القانوني وحركية الواقع العملي منشور في العديد من المجلات والجرائد الوطنية والمحلية صوت العدالة- الخبرية24–هبة بريس.. بتاريخ 24/02/2020
[3] – للمزيد من المعلومات في هذا المجال يرجع لسلسة الدكتور ادريس النوازلي م س ص17