دور الأحزاب السياسية في صناعة القرار الجبائي

لا تقتصر الفعاليات المساهمة في صناعة القرار السياسي والجبائي على المؤسسات السياسية فقط، بل هناك قوى وفعاليات محلية تتدخل في هذا الإطار لتوجيه اختيارات السلطة الرسمية أو التأثير فيها على الأقل.

وتأثير الأحزاب السياسية في رسم السياسات العامة، و السياسة الجيائية كأحد مكونات هذه السياسة يمكن أن يتم خارج نطاق البناء السلطوي أو داخله، إذ أن الأحزاب السياسية تقوم بمجوعة من الوظائف منها بلورة المطالب والقضايا العامة التي تناقش عند رسم السياسات العامة، وإثارة الرأي العام حولها، ومحاولة إقناع المواطنين بتبني المواقف التي تتخذها هذه الأحزاب للضغط على الحكومة، كما تعد وسيلة من وسائل الرقابة السياسية على النشاط الحكومي.

أما الشكل الاَخر للثأتير في صنع السياسات العامة، فهو عندما تستلم هذه الأحزاب زمام السلطة، أو مقاليد الحكم، فإنها تقوم بتشكيل السلطة أو تجديد بنيتها أو تغييرها، و تحديد مساراتها وتوجيه عملية رسم السياسات العامة طبقا للفلسفة التي تتبناها والتوجهات الفكرية التي تؤمن بها، وبشكل عام فإن الأحزاب السياسة سواء كانت خارج السلطة أو داخلها تقوم  بدور المراقب بعضها على البعض الاَخر،  فأحزاب المعارضة تترصد حركة الحكومة وكيفية صنعها للسياسات العامة، و تنفيذها، بينما تقوم الأحزاب الحاكمة بشرح سياسات الحكومة و مواقفها، و الدفاع عنها، و العمل على إقناع الرأي العام بصحتها و قدرتها على تحقيق المصلحة العامة.

وعلى أية حال فإن الأحزاب السياسية تتميز عن جماعات المصالح بتبنيهاومناصرتها للمواقف والسياسات التي تتسم بالنفع العام أو الشمولي، بينما تهتم الجماعات المصلحية (الضاغطة) بالقضايا الصغيرة المتعلقة بمصالح أعضائها الخاصة.

إن النظام الجبائي كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي يخضع لعدة مصالح متعارضة أو متحالفة، ولتأثير مجموعة من القوى التي لا يمكن إغفال أدوارها ووظائفها في تحديد خصائص صنع القرار السياسي الجبائي،  كما أن وزنها و قدرتها و قوتها الاقتصادية والسياسية والمالية قد تقل أو توازي أو تفوق قوة السلطات الجبائية الرسمية. فالفرقاء السياسيون والاقتصاديون  والاجتماعيون قد يرفضون الخضوع لقرار جبائي إذا لم يضمن لهم امتيازات لذلك قد تلجأ السلطات العمومية إلى التفاوض مع بعض الفعاليات قبل وضع الصيغة النهائية للقرارات الضريبية، و قد تكون تلك الفعاليات هي صاحبة المبادرة الجبائية، و يرتبط ذلك بقوتها التفاوضية و قدرتها على الضغط.

 لا يمكن الحديث عن دور الأحزاب السياسية المغربية وتأثيرها في صناعة القرار الجبائي دون الحديث عن بعض مظاهر الانشقاق الحزبي، والتي قد تكون ناتجة عن مرجعيات انقسامية تتعلق بقابلية هذه الأحزاب للانقسام، أو بأسباب إيديولوجية مرتبطة بإستراتيجية وتكتيك النظام، فإن ذلك يجعل اهتمام الأحزاب ومجهودها منصبا على درء التصدعات ومعالجة المشاكل الداخلية الانشقاقية عوض القيام بالوظائف الحقيقية المنوطة بها، فهي غير قادرة لا على الدفاع عن مصالح عموم المواطنين وتمثيلهم، ولا حتى عن الطبقات التي تنتمي إليها وتشكل سندها و مصدر قوتها، و يعود ذلك إلى عدم قدرتها على بلورة برنامج حزبي يتضمن رؤية جبائية واضحة تروم خدمة فئة اجتماعية معينة،  فالبرامج الحزبية في أغلبها فضفاضة، مما يجعلها في الأخير تعبر عن نفس المنحى الإيديولوجي

إذا كان ( التهرب الضريبي)، ( غياب العدالة الضريبية) و ( التملص الضريبي)،  كلها أمراض تنخر جسم النظام الضريبي المغربي، و تحتاج لعلاج عاجل تحقيقا للعدالة الاجتماعية،  وانطلاقا من الدور التذخلي الذي أصبحت تلعبه الضريبة، فإن الأحزاب السياسية ركزت في الاستحقاقات التشريعية الأخيرة ( 25 نونبر 2011) في برامجها الانتخابية على كيفية إصلاح المنظومة الضريبية وتحقيق العدالة الجبائية كآلية مثلى للدفع بعجلة النمو ومواكبة بناء صرح التنمية المنشودة.

و أمام إلحاحية مطلب الإصلاح الضريبي سواء بإعادة النظر في المنظومة الجبائية الحالية أو مراجعة الإطار القانوني العام للمالية العامة، تراوحت بين برامج تضمنت رؤية إصلاحية واضحة معززة بإجراءات عملية دقيقة، و مرقمة وأخرى أدرجت الإصلاح تحت عناوين كبرى دون إعطاء أية تفاصيل عن استراتيجياتها.