تصفون موضوع العوالم الموازية بالترهات؟ اثبتو عدم وجودها أو كفوا عن الزعيق!!
إن موضوع العوالم الموازية، والأجسام غير المرئية والموازية بدورها للجسد الفيزيقي والساكنة فيه، ليس وليد اليوم، ولا اليوم الذي قبله. وأريد باليوم عصرًا برمته بما سكنه وعاش فيه من الفلاسفة والعلماء، ومن الدارسين والباحثين عن حقيقة الكون والإنسان، وحقيقة الوجود والعدم.
لذلك لن أقف عند هذه الحقيقة التاريخية لأننا لن نختلف حولها، بل سأمر رأسًا إلى مناقشة موقفكم من هذا الموضوع، الذي نسبتموه إلى الخرافات، وزدتم على ذلك بوصفه بالترهات، دون أن يكلف أحدكم نفسه عناء، أو بالأحرى، دون أن يسعى أحدكم إلى كسب أجر وثواب تنويرنا حول حقيقة الأمر، وإخراجنا بالتالي من ظلمة الخرافة والميثولوجيا (أساطير الأولين) إلى نور العرفان… سامحكم الله على هذا التقصير، الذي أعتقد أنه تقصير اضطراري، لأنكم كما يبدو من خلال الألفاظ والعبارات التي استعملتموها في ذلك الوصف لا تملكون القدرة على إثبات وجود الشيء أو نقيضه. وحين أقول إثبات، فإنني أقصد أن يتم ذلك وفق المنهج العلمي، الذي لا أشك في كونكم تعرفونه واسع المعرفة من منطلق تخصصاتكم العلمية والمعرفية.
دعوني أدعوكم إلى اختيار أحد طريقين لمناقشة هذا الموضوع:
الأول:أن ننطلق من مقدمة فلسفية وجودية، وإن شئتم أن نسميها دينية فلا بأس، وهي الوجود الأكيد بل الواجب لخالق الكون، الله جل جلاله؛
والثاني: ان ننطلق من مقدمة علمية، تقتضي الرجوع إلى الحصيلة الثقيلة والوازنة لجهاد العلماء طوال القرن الماضي، وهو القرن الذي شهد انفجار الثورة العلمية بكل عنفوانها، مع العلم بأنها هي التي أثمرت ما بلغ إليه إنسان الألفية الثالثة من تقدم إلكتروني ورقمي وإشعاعي حثيث تتخطى سرعته كل التوقعات.
فكيف تحبّون أن ننطلق؟ وعلى أي أرضية تفضلون السير بهذه المناقشة، ولا أقول المناظرة، لأن المناظرة تتطلب منا جميعًا، كطرفيْن متقابليْن في هذا الحوار، أدلة علمية لا غبار عليها أو على الأقل، صادرة عن أهرامات في مجال البحث العلمي هي بمثابة أعمدة بل أركان للبحث العلمي في العصر الحديث، شريطة أن لا يكون قد أصابها التقادم أو طالها الإبعاد من جراء ظهور أدلة مغايرة قضت عليها بالزوال؟
فإذا انطلقنا من المقدمة الأولى، فسيكون علينا أن نقر بوصفنا طرفي هذا الحوار بأن الله "واجب الوجود"، وهذا هو التعبير الذي يشير به إليه الصوفية وجمهور من الفلاسفة الذين انتهى بهم البحث إلى هذه المسلَّمة. فما الذي ينتج عن هذه المسلّمة؟
سينتج عنها بالبداهة أن نؤمن بما أنزله الله سبحانه على أنبيائه ورسله، والإيمان بتحصيل الحاصل بكل ما ورد من الآيات في الكتاب الحكيم، الذي تنزّل على محمد (ص) مصدقا لما سبقه من الرسالات الإلهية، ومصحِّحًا لما طالها على يد الإنسان الظلوم الجهول من التحريف والتلفيق.
وإذا كنا نؤمن بهذه المسلّمة فسينتج عن ذلك، أيضًا، أننا سنؤمن بوجود عوالم غير العالم المنظور الذي نعيش فيه بأجسادنا الفيزيقية الكثيفة والثقيلة، لماذا؟ لأننا بكل بساطة سنؤمن بوجود الملائكة والجن والشياطين… فمن منكم يستطيع وهو مؤمن بما أنزله الله تعالى أن يشير لنا إلى الفضاءات أو العوالم أو الأراضي التي يوجد ويحيا فيها هؤلاء؟ وما ىهي إحداثيات تلك العوالم في الزمان والفضاء معًا؟
أخشى أن أكون بكلامي هذا بصدد محاصرتكم في نطاق ضيق لا يترك مجالاً للحركة، لأنني من هذا المنطلق على وشك طرح السؤال المحرج، والذي لا حقّ ولا رغبة لي في طرحه بتاتا، عن مدى إيمانكم أو عدمه، بالله كمقدمة إيمانية كبرى، وبتحصيل الحاصل، بما أنزله الله على الأنبياء والرسل!!
لننطلق الآن من المقدمة العلمية، التي تمتطون صهوات جيادها حين تصفون ما يدور ويُنشر حول العوالم غير المرئية بالخرافات والترهات، ولنترك المقدمة الفلسفية والدينية لأنها ربما تعكّر مزاجكم.
هناك شرط لازم لا يمكننا الانطلاق من أي مسلمة علمية دون احترامه والتقيد به، فنحن لسنا مثلاً من طينة إسحاق نيوتن، أو غاليلي، أو هابل، أو ألبرت أينشتاين… نحمل بين أيدينا نظريات علمية مفحمة من إبداعنا أو اكتشافنا نحن، وبالتالي فلا مندوحة من الانطلاق مما بلغ إليه هؤلاء في أبحاثهم المشهودة، وفي دراساتهم المعترَف لها بالريادة في مجالات الكون والفضاء الكوني، والطاقة والمادة، وبداية الخلق الكوني والإنساني… وخاصة مما تركه هؤلاء من نظريات ما زالت صامدة وغير قابلة إلى غاية يومه للدحض، ربما لأنها بلغت إلى نهاياتها الحتمية.
وحتى لا نطيل في مناقشة تفاصيل لا قِبَل لنا بها لأننا لا نملك العتاد العلمي الكافي للقيام بهذه المهمة، سنختصر الطريق إلى أم النظريات وسيدتها إلى غاية الساعة الراهنة، ألا وهي نظرية النسبية العامة لأينشتاين، المعبَّر عنها رياضيًا بالمعادلة:e=mc2.
إنّ معادلة النسبية العامة هذه،e=mc²، والتي تعني: الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء، يتولّد عنها أن إنتاج أي مادة مهما صغر حجم ذراتها وكتلتها يستلزم طاقة مهولة.
و قد تفكّر أينشتاين وأعمل عقله في حجم الطاقة التي تَطَلّبها خلقُ كتلة الكون بما يشتمل عليه من ملايير النجوم والكواكب والمجرات العملاقة، فوجد أن طاقة جبّارة كهذه لا يمكن أن تنتج من العدم، واستخلص بتحصيل حاصل ذلك أن مصدر تلك الطاقة الهائلة، بالمطلق، لا يمكن أن يكون إلاّ خالق الكون.
أينشتاين، كما تعلمون، اعتبره علماءُ عصره وخَلَفُهم من مختلف المشارب العلمية الباحثة في الفيزياء والرياضيات والفضاء الكوني، أذكى عقل في القرن الماضي… فهل باستطاعتكم إثبات نقيض ما وصل إليه أينشتاين؟ هل باستطاعتكم نكران وجود الخالق من نفس المنطلق الذي ارتقى منه هذا العالم الفذ إلى هذه المسلّمة؟ وبالتالي نكران وصف الخالق لخلقه بأوصاف "الظهور" و"الكُمون"؟
لن تستطيعوا ذلك بكل تأكيد مهما بلغتم من العلم، وبالتالي فإيمانكم بوجود الخالق وارد سواء أظهرتموه أو أخفيتموه وراء تلك الأصباغ العلمانية التي بات يمجّها معظم علماء هذا العصر، حتى الماديون الوجوديون منهم، من الذين يغمرهم الخجل وهم يعبّرون عن ذلك الوجود الطاغي والمهيمن لخالق الكون بإطلاقهم أسماء تبعث على السخرية، كقولهم بـ"الطاقة الكونية"، أو "العقل الكوني" أو "العقل الكلّي"… ونحو ذلك من الأسماء الهلامية، حتى أن منهم من يقول لمخاطَبيه: "سموها ما شئتم "إلهًا" أو غيره" مبديًا بذلك رفضه أو خوفه من اعتبارها إلها خالقًا لأن ذلك يفند ويخالف قناعات سابقة ودفينة تمنعه من الإقرار بالهزيمة أمام "حقيقة خالصة"، ولأنها خالصة، فإنها لا تحتاج إلى نظريات ونظريات مضادة، وإنما إلى جرعة يسيرة من الإيمان. وبطبيعة الحال، فإذا اجتمعت القناعة العلمية المؤوِّلة لآيات الله في خلقه مع الإيمان فستكون تلك غاية الغايات، وهي المعبر عنها في سورة النور بالتعبير القرأني "نور على نور" أي نور العلم على نور الإيمان… فأين موقعنا نحن في نقاشنا هذا من هاته الخريطة؟
لنقف الآن عند مقدمة ثالثة يلتقي فيها الديني بالعلمي البحت: ففي سورة الطلاق، في الآية 12 تحديدًا، أخبر الخالق عن خلقه سبع سماوات ومن الأرض مثلهنّ، وأتبع ذلك بالقول الحقّ إن الأمر الإلهي يتم تدبيره "بينهنّ" لنعلم أنه على كل شيء قدير وأنه أحاط بكل شيء علمًا، وهذا ما يُفهم منه أن الأراضي السبع وسماواتِها السبع ليست كلها ظاهرة، ومن هنا جاء تعظيم التدبير الإلهي للأمر فيما بينها وربط ذلك يعلم الله وقدرته. ويُفهم من هذا أيضًا أن الأمر يتعلق بسبع أراض لكل منها سماؤها، فأين تقع؟ وما طبيعتها؟ وما هي إحداثياتها؟
للإجابة على هذه الأسئلة الوجودية، اجتهد كثير من علماء الفيزياء والرياضيات، في ايجاد أجوبة علمية شافية ، وأضع في طليعتهم عالمًا شهد له عصره بالريادة، حتى أنه استحقّ تقلُّد كرسي إسحاق نيوتن بجامعة كمبريدج وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة، هو ستيفان هاوكينغ، الذي تندّرتم وسَخِرتم من مجرّد الاستشهاد بإحدى خلاصات أبحاثه. وقد توصل هذا العالم في أوج نبوغه العلمي والمعرفي، وبواسطة معادلات رياضية أكد أنها متعددة الأوجه ولكنها كانت تفضي دائما إلى نفس النتيجة، توصّل إلى أن هناك عشرة أبعاد وجودية تحكم الكون الذي نعيش فيه، واستخلص من ذلك أن هذا الكون يستضيف ست أراض غير أرضنا لكل منها سماؤها، بحيث تحتكم أولاها، وهي أرضنا هذه، إلى أربعة أبعاد نعلمها جميعًا، وهي الطول والعَرض والارتفاع (أو العمق) والزمن؛ وتحتكم الأرض الثانية منها إلى خمسة أبعاد بإضافة بُعد لم نكتشفه بعد، أو قد تم اكتشافه في تستّر مبرَّر أو غير مبرَّر؛ والثالثة إلى ستة أبعاد بزيادة بُعديْن مُبْهَميْن على أبعادنا الأربعة، والرابعة تحتكم إلى سبعة أبعاد؛ ثم الخامسة إلى ثمانية أبعاد، والسادسة إلى تسعة أبعاد، لتحتكم الأرض والسماء السابعتان إلى عشرة أبعاد، إو إلى البُعد العاشر… وهذا يتمشّى تمامًا مع الآية القرآنية سالفة الذكر، ولم يقع هذا التلاؤم بالصدفة مطلقًا، لأن بدايته وأساسه آية منزلة من عند الخالق العليم بكل دقائق وتفاصيل خلقه، ونهايته معادلات رياضية لم يثبت أحد حتى الآن زيفها أو ضعفها حسب علمي المتواضع.
فهل في وسعكم هنا أيضًا أن تفنّدوا الخلاصات التي انتهى إليها هذا العالِم/الظاهرة، وهو الذي أنهى مشواره في هذا البحث بالذات بمقولة أشبه ما تكون بتلك التي انتهى إليها أينشتاين، حين أقر في خاتمة كتابه "قصة الزمن بإيجاز"(Une brève histoire du temps)أو "موجز قصة الزمن" كما ترجمها البعض، بأنه لا ريب أن هذا الكون المهول هو من فعل خالق عظيم سابق الوجود، خلق كل هذا ورتّب له قوانينه ثم استوى يتفرّج على حركته وفق النسق المُراد له !!
هل تجدون القدرة على معارضة هذا العالم بدوره وتبخيس عمله وبالتالي إيجاد دليل واحد على صدق دعواكم وأنتم تتندّرون وتسخرون من كل مَن استشهد به وتصفون ذلك بالخرافات والترّهات؟
إنكم حين تصفون هذا الموضوع برمته بالخرافة والترهة فإنه ينبغي لكم من منطلقكم العلمي أن تأتوا بما ينفي وجود العوالم والظواهر والكائنات التي يتطرق لها الموضوع ذاته.
فهل في استطاعتكم أن تأتوا بدليل علمي واحد على عدم وجود تلك الظواهر والعوالم، التي اضطر علماء المادة والتجريب إلى الإقرار بوجودها، أو باحتمال وجودها كم ا يقول المتشكّكون منهم؟ هل في مستطاعكم ذلك سواء بالاعتماد على أعمال السلف من العلماء أو المحدثين منهم؟
لا أعتقد ذلك، ولكنني سأترك لكم المجال واسعًا وفسيحًا كي تبحثوا على مهل، وكي تأتوا إلى مؤلفي الكتب التي وصمتموها بالخرافية بومضة من نور العلم تدحض منطلقات وجهود وخلاصات هؤلاء المؤلفين… لأن الاكتفاء بالتبخيس بغليظ الألفاظ لا يكفي في مثل هذه المواقف ولا ينتمي بأي صلة إلى عوالم العقل والعلم التي تمجّدونها وتقولون بالانتماء إليها.
ليست هذه المقالة بالردّ الشافي على سخريتكم اللاذعة وغير المبرَّرة، فالمقام والمقال لا يسمحان بذلك، الآن على الأقل، وإنما هي مجرد دعوة صادقة إلى فتح نقاش علمي رزين، مدعم بالأدلة العلمية، المنزّل منها والوضعي، حول موضوع الظاهر والخفيّ من الكون والإنسان والطبيعة، وحول المصادر المأخوذ بها في تناول هذا الموضوع من لدنكم، ومن لدن من بحثوا وألّفوا في هذا الباب…والكرة الآن في معسكركم… فماذا أنتم فاعلون؟..