المجلس الأعلى للحسابات يوصي الحكومة بتبني سياسة أكثر إرادية لتقوم المؤسسات والمقاولات العمومية بدورها الكلي في التنمية
أوصى المجلس الأعلى للحسابات الحكومة بتبني سياسة أكثر إرادية بأهداف واضحة وصريحة كي يضطلع قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية كليا بدوره المنوط به في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
واعتبر المجلس في تقريره الأخير حول "قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب: العمق الاستراتيجي والحكامة"، أن هذه السياسة يتعين أن تكون أكثر انسجاما مع الإطار الماكرو -اقتصادي للدولة، من جهة، ومع الاستراتيجيات القطاعية المقررة من قبل مختلف الوزارات من جهة أخرى، وأن تحدد القطاعات ذات الأولوية التي تعول عليها الدولة لتركيز تدخلاتها وتموقع وظيفة المقاولات العمومية في تنفيذ البرامج العمومية.
وتتجلى أهم المواضيع التي يتعين معالجتها وتوضيحها بخصوص هذه السياسة في تحديد دور قطاع المقاولات العمومية ومكانته في الاقتصاد الوطني وأشكال الحكامة والمراقبة ومردودية المحفظة العمومية وكذا تحويلات الدولة للقطاع أو العكس، حسب التقرير الذي أشار إلى أنه يمكن عبر هذه الرؤية الاستراتيجية المرجعية قيادة المحفظة العمومية ومراقبتها مع الأخذ بعين الاعتبار، بشكل دائم، التناسق بين البرامج التي تنجزها المؤسسات والمقاولات العمومية والسياسات العمومية المحددة من لدن الدولة بشأن هذا القطاع. كما أوصى المجلس بإعادة هيكلة قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ذات الطابع التجاري وفقا لتوجه استراتيجي ثابت يخضع لمبادئ توجيهية تتمثل أولا في فسح المجال كلما أمكن ذلك أمام القطاع الخاص وبالموازاة تخلي الدولة عن الأنشطة التي يمكن القيام بها وتحملها من لدن هذا القطاع.
وتنص هذه المبادئ أيضا على تشجيع آليات المنافسة قدر الإمكان وذلك لوضع حد لاحتكار بعض المقاولات العمومية لأنشطة تجارية أو الهيمنة عليها، وتطوير الاستراتيجيات القطاعية وفق مقاربة ترتكز على معالجة متمايزة ومحددة حسب الرهانات المطروحة في كل قطاع وخصوصياته. وانطلاقا من هذه الاستراتيجية، يمكن تصنيف المؤسسات والمقاولات العمومية وفق مقاربة دينامية الى ثلاث فئات تتمثل في المؤسسات والمقاولات العمومية التي يجب الحفاظ عليها تحت مراقبة الدولة، والمؤسسات والمقاولات العمومية التي يمكن أن تتطور في إطار شراكة مع القطاع الخاص، وتلك غير القابلة للاستمرار والتي يتعين حلها أو تصفيتها.
وأوضح التقرير أن هذا التصنيف لا يستهدف حصر المؤسسات والمقاولات العمومية ضمن فئة معينة، بل يروم العمل على تقييمها دوريا للتأكد من مدى تطابق برامجها مع السياسات العمومية وكذا البحث في إمكانيات تطويرها. وأكد المجلس أنه يتعين الإبقاء فقط على المقاولات العمومية المتمثلة للأهداف التي تحددها الدولة في دورها المزدوج كفاعل استراتيجي وكمساهم ضمن حظيرة القطاع العام. وتفاديا لتشتيت المجهودات بين عدد كبير من الوحدات المتباينة والمتباعدة، أوصى التقرير بتحليل المخطط التنظيمي لتركيز تدخل الدولة في عدد ملائم من المجموعات العمومية، فضلا عن القيام بدراسات لحصر نطاق حجم المحفظة العمومية وتحديد التدابير المثلى التي يجب اعتمادها من قبيل عمليات الاندماج أو إعادة التجميع أو الانسحاب أو التفويت أو التصفية وغيرها.
واعتبر التقرير أنه يمكن تحسين المحفظة العمومية وفقا للكيفيات التالية متمثلة في الانسحاب بشكل تدريجي من المساهمات المباشرة التي تمتلك فيها الدولة حصة أقلية وإلحاقها في مرحلة أولى بمجموعة عمومية قائمة، علما بأن هذه المساهمات نادرا ما تتسم بالطابع الاستراتيجي كما أنها لا تدر أي أرباح للخزينة. كما يمكن اللجوء في مرحلة ثانية إلى تفويت هذه المساهمات المباشرة ذات حصة أقلية لفائدة القطاع الخاص كلما بدا ذلك ضروريا، إلى جانب القيام بعمليات تحويل بين المؤسسات والمقاولات العمومية للحد من وجود العديد من المقاولات العمومية التي تمارس نفس النشاط وعلى نطاق نفس المجال الترابي في بعض الأحيان.
ويمكن تحسين المحفظة أيضا بتفعيل مسطرة حل المقاولات العمومية التي أوقفت نشاطها وذلك بإحداث آلية قانونية بشأن حلول الدولة أو الجماعة الترابية أو المساهم العمومي المعني محل المقاولات المعنية في الديون والقروض والالتزامات. ويتوجب على الدولة تبعا لهذه التركيبة، حسب التقرير، الانسحاب من الأنشطة التقليدية للقطاع الثالث كعمليات التسويق والتداول والتدبير الفندقي والإنعاش العقاري التي ما زالت تستقطب العديد من الشركات ذات المساهمة العمومية بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويؤكد المجلس الأعلى للحسابات أنه قبل أي إحداث لمقاولات عمومية جديدة، يتعين القيام بدراسات استباقية تؤكد ضرورة اللجوء إلى الفاعل العمومي بسبب عدم قدرة القطاع الخاص على الاستثمار في الأنشطة المعنية أو على أساس اعتبار أن التدبير العمومي سيكون أكثر فعالية وملاءمة.
ويجب أن يصاحب كل مشروع، وفق التقرير، إحداث منشأة عمومية جديدة بخطة أعمال تبرز مدى القيمة المضافة من إحداثها ولاسيما على مستوى نظام أجور الرأسمال البشري والتوزيع الأمثل للموارد العمومية وتحسين عائدات المحفظة العمومية وكذلك المردودية الاقتصادية والمالية للمشروع وآثاره الاجتماعية. كما يوصي المجلس أن تتم عمليات إحداث الفروع واتخاذ المساهمات بشكل استثنائي وفي حالات مبررة، كإحداث آليات قانونية تعزز التحالفات الاستراتيجية أو تدعم الشركاء الخواص أو العموميين.
ولضمان حكامة جيدة للمجموعات العمومية، يتعين دراسة عمليات إحداث الفروع أو المساهمات المالية من لدن الهيئات التداولية للشركات الأم للمجموعات أو للشركات القابضة، قبل عرضها على موافقة وزارة الاقتصاد والمالية، للتأكد من مدى تطابق العملية مع استراتيجية تدخلها ومن مدى تحسين محفظتها المالية. ويرى المجلس أنه أضحى من الضروري تحيين الآلية القانونية المتعلقة بالخوصصة وحركات المحفظة العمومية في اتجاه تخفيفها وملاءمتها مع المحيط الوطني والدولي، ويوصي بالتالي بالعمل على إعادة النظر في الآليات المعتمدة في تحديد قائمة المؤسسات العمومية المرشحة للخوصصة.
وعليه يمكن أن يتم، سنويا، تحضير مقترحات بشأن المقاولات العمومية المزمع خوصصتها بمناسبة تقديم مشاريع قوانين المالية، بغية تحقيق تدبير مرن ودينامي للمحفظة العمومية يتلاءم وإكراهات المحيط الذي تعمل فيه هذه المنشآت، حسب التقرير.
وبخصوص المساهمات غير المباشرة للدولة، وبغية إعطاء دينامية أكبر للمساهم العمومي وحثه على اتخاذ القرار الملائم، أشار المجلس إلى أنه يتعين إثارة مسؤولية الهيئات التداولية للمؤسسات والمقاولات العمومية مالكة هذه المساهمات في المواضيع الاستراتيجية وفق المبادئ المتعلقة بحكامة المقاولات.