العـــدالة الجبائية بالمغـــــــــــرب بين أسس الحكامة الجيدة وإكراهات الواقع

العـــدالة الجبائية بالمغـــــــــــرب بين أسس الحكامة الجيدة وإكراهات الواقع

مما لا شك فيه أن مفهوم الضريبة شكل منذ عهد طويل أهم المفاهيم التي ارتبطت بالأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومصدرا أساسيا من مصادر التمويل لدى المجتمعات القديمة والدول الحديثة على حد سواء،

 ومرجع ذلك بالأساس هو مساهمة الأفراد في التكاليف العامة للدولة مقابل ما تقدمه لهم من خدمات متنوعة، إن على مستوى توفير الأمن وتأمين الخدمات الاجتماعية العمومية وغيرها، إذ أنه ومنذ العهد القبلي استعمل هذا المصطلح للدلالة على تلك الفريضة المالية التي تقدمها القبائل المهزومة لفائدة القبائل المنتصرة من أجل تحقيق السلم القبلي واستباب الأمن العام .

وبعد تجمع القبائل على شكل وحدات سكنية، أصبح هؤلاء السكان يدفعون تلك الضرائب للحاكم مؤازرة له في الأوقات الصعبة، ومساهمة منهم في تحمل الأعباء العامة،  حيث ظهرت نظريات فلسفية تؤطر لمشروعية هذا الفعل الذي سوف يتحول من طابعه الاختياري إلى الصيغة الإلزامية، نتيجة التعاقد أو  " العقد الاجتماعي " بين الأفراد والمجتمع أو الدولة و هي نظرية نادي بها فقهاء القرنين السابع عشر والثامن عشر وعلى رأسهم الفيلسوفين الإنجليزيين" توماس هوبس" " وجون لوك " والفيلسوف الفرنسي " جان جاك روسو " وتتلخص  في تنازل الأفراد بشكل صريح أو ضمني عن بعض حرياتهم لفائدة السلطة أو الحاكم لقاء حماية حقوقهم [1]. ومع تطور المجتمعات وظهور الدول الحديثة بمفهومها المعاصر، تبلورت فكرة فرض الضرائب التي أصبحت واجبا وطنيا ،يساهم من خلاله الملزم بها في تحمل التكاليف العموميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة لقــــــــــــــــــاء ما يستنفذه من خدمات عمومية .

وهكذا فمعظم الدول تحرص على تنظيم المجال الضريبي بشكل دقيق ومحكم، رغبة منها في عدم إضاعة المال العام المتحصل من هذه الضرائب على اختلاف أنواعها، وذلك بوضع التقنيات الكفيلة بتحقيق أقصى ما يمكن من مردودية وفعالية عند البحث عن  المادة الضريبية ،مما يضمن مساهمة الجميع كل على قدر استطاعته في التكاليف العمومية واضعة بذلك الآليات اللازمة لتنفيذ السياسة الضريبية بشكل جيد[2]، مانحة إياها مجموعة من الامتيازات قصد تمكينها من القيام بوظيفتها والدفاع على حقوق الخزينة العامة، كامتياز السلطة العامة بحكم مهمتها في ربط وتحصيل الضريبة، لكن و في المقابل ولحماية الملزم مما قد يلحقه من تعسف أو شطط ضد حقوقه المالية من الإدارة الضريبية أرسى ضمانات قانونية تمكنه من تحصين هذه الحقوق، حيث يساهم بالقدر القانوني في إطار العدالة الجبائية، كما يمكنه الاستفادة من إعفاءات ضريبية جزئية كانت أو كلية متى تحققت شروطها، أو يطالب باسترداد مبالغ مالية دفعها بغير موجب قانوني [3].

في نفس السياق أرسى المشرع الدستوري قواعد هامة في مجال الحكامة الجيدة بصفة عامة ،إذ خصص لها بابا كاملا من الدستور الأخير ربط من خلاله المسؤولية بالمحاسبة، وأرسى مبادئ الشفافية والنزاهة واستمرارية المرفق العام، مع النص على خلق مؤسسات جديدة، تلخصت مهامها في بلورة مبادئ الحكامة الجيدة. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن قواعد التنزيل الصحيح للحكامة الجبائية ميدانيا ؟

و تتفرع عنه مجموعة من التساؤلات الجزئية منها :

– هل الاصل في الالتزام الضريبي براءة الذمة أم التكليف؟

– إلى أي حد تجسدت أسس الحكامة الجيدة في نظامنا الضريبي؟

  ما هي الضمانات المخولة للملزم ضد أي تعسف محتمل من الإدارة الضريبية ؟

– ما هي السلطات الممنوحة للقاضي الضريبي لخلق توازن حقيقي بين طرفي العلاقة الضريبة ؟

– ما هي المعيقات التي تحول دون تحقيق عدالة جبائية وفق الاسس الحكماتية ببلادنا؟

 

ولمقاربة هذا الموضوع والإحاطة بالتساؤلات المطروحة أعلاه، سنعمل على تناوله من خلال محورين :

 المحور الأول نسلط فيه الضوء على مفهوم الحكامة الضريبية في التشريع المغربي، على أن نخصص الثاني لبسط إكراهات العدالة الضريبة ببلادنا .

 

المحور الأول : الحكامة الضريبية في التشريع المغربي.

إن الحديث عن الحكامة الضريبية بالمغرب، يدفعنا بالضرورة إلى بسط مبادئ هذا المؤسسة وفق التصور الدستوري، باعتباره أسمى قانون ببلادنا (أولا) وذلك بغية الوقوف على درجة تحقيقها على أرض الواقع (ثانيا) محاولة منا لملامسة مدى تجسيدها ميدانيا ،لكن وحتى نكون منهجيين وفق ما تفرضه طرق البحث العلمي، لابد من توطئة موجزة نحدد بمقتضاها مفهوم الحكامة الضريبية.

لقد شكل الاهتمام الكبير الذي هم مفهوم الحكامة الجيدة بؤرة اهتمام الباحثين، لدرجة اختلفت في تحديده الدراسات التي تناولته لكثرتها، لكن وبغض النظر عن هذا الاختلاف، فإن المصطلح ظهر مع الثورة الصناعية على المستوى الاقتصادي، وتحديدا في المجال المقاولاتي، ليشير إلى التدبير الجيد للمقاولة بهدف تحقيق نتائج فضلى لفائدتها، ثم انتقل إلى المجال السياسي ،كرمز للتدبير المحكم والعادل للقضايا العامة والمؤسسات السياسية العمومية ،وبعد ذلك تناقلته وسائل الاعلام والصحف والمجلات حتى أصبح شائعا بين عموم الناس.

و تجدر الإشارة أن مصطلح الحكامة الجيدة دخل للمغرب، كما باقي البلدان النامية، كنتيجة حتمية لضرورة التمويل الأجنبي أي عن طريق المؤسسات الدولية المانحة للقروض، والتي فرضت مجموعة من الضوابط و الأسس تحت مسمى" الحكامة الجيدة " ينبغي احترامها كشرط أساسي للاستفادة من هذه القروض .

وهكذا فحسب البرنامج الإنمائي لهيئة الأمم المتحدة تعني الحكامة :"نوعا جديدا من العلاقات والشركات المؤسسية التي تتمحور حولها مصالح الجماعات والأفراد، وممارسة الواجبات والحقوق المختلفة، وفض النزعات وصقل القدرات ودعم عملية التواصل داخليا وخارجيا." كما وردت العديد من التعاريف لهذا المصطلح لا يسعفنا موضوع المقالة للتطرق إليها كاملة، مفضلين التفصيل في محاورها الأساسية .

أولا : مبادئ الحكامة الجيدة وفق التصور الدستوري.

 بالرجوع إلى دستور المملكة نجدة قد أفرد لموضوع الحكامة الجيدة، بابا كاملا و هو الباب الثاني عشر تناولها عبر سبعة عشر فصلا (من الفصل 154 الى الفصل 171 ) و تظهر الأهمية التي كرسها المشرع الدستوري لهذا الموضوع من خلال المساحة الكبرى التي خصصها لتنظيم هذا الموضوع، باعتباره موضوعا يفتح الباب نحو الديمقراطية الحقيقية التي تنبني عليها التشريعات الغربية المتقدمة في سياساتها إن على المستوى المحلي أو الوطني، وقد نص المشرع الدستوري على جملة من المقتضيات الهامة لهذه الحكامة، التي لا تعتبر وفق الخطاب الملكي ترفا ثقافيا، بقدر ما ينبغي العمل بها ميدانيا، كما حدد الدستور مجموعة من المؤسسات و الهيئات التي أوكل لها مهام السهر على التطبيق السليم لمبادئ هذه الحكامة، وهكذا سوف نتناول هذه المبادئ من خلال دراسة الأسس الدستورية للحكامة الجيدة (أ) وكذا الهيئات والمؤسسات التي أوكل لها المشرع حمايتها والسهر على مراقبتها .

أ : الاسس الدستورية للحكامة الجيدة .

 عمل الدستور على تنظيم المرافق العمومية، وذلك بنصه في الفصل 154 على أنه "يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات. تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور".

 وهكذا يؤكد أولا على أن تنظيم المرافق العمومية يجب أن يتم وفق المعايير التالية:

*المساواة بين المواطنات و المواطنين في الولوج إليها دونما محاباة أو انحرافات تعيق تحقيق هذه الغاية .

*الإنصاف في تغطية التراب الوطني حتى يتسنى للمواطنات والمواطنين القيام بشؤونهم الإدارية بشكل يتماشى ومبدأ تقريب الإدارة من المواطن .

*الاستمرارية في أداء الخدمات، وهو مبدأ قديم توالت دساتير المملكة في النص عليه لما فيه من ضمانة أساسية للمرتفقين في القيام بمتطلباتهم الإدارية .

وقد وضع المشرع في هذا الفصل الدولة كطرف يراقب مدى خضوع المرافق العمومية لمعايير الجودة المطلوبة و الشفافية و كذا ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ويكرس الدستور الجديد القيم الديمقراطية، وذلك بتنصيصه على ضرورة خضوع المرافق العمومية للمعايير المتفق عليها، كالجودة في تقديم الخدمات و الشفافية و النزاهة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

 ومن المبادئ الهامة التي نص عليها الدستور في هذا الباب: ربط المسؤولية بالمحاسبة، أي خضوع المرافق العمومية للمراقبة و التقييم فالفصل 158 منه يقضي أن " كل شخص يمارس مسؤولية عمومية منتخبا كان أو معينا يجب أن يقدم طبقا للكيفيات المحددة في القانون تصريحا كتابيا، بالممتلكات و الأصول التي في حيازته بصفة مباشرة أو غير مباشرة بمجرد تسلمه لمهامه و خلال ممارستها و عند انتهائها."

 

ب :الهيئات التي أسند لها المشرع السهر على تطبيق الحكامة الجيدة .

/ هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها:

– / المجلس الوطني لحقوق الإنسان: نص الفصل 161 من الدستور على هذه المؤسسة واعتبرها " مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال". والكلام هنا محدد وواضح، فمهمة مجلس حقوق الإنسان تبعا للنص الدستوري تتجلى في حماية هذه الحقوق والتصدي لكل من أخل أو حاول الاعتداء عليها ،وحماية كرامة المواطن، لكن هل فعلا تصان كرامة المواطن ؟ قد يجيبنا الواقع بأمثلة ضاربة في عمق إغتصاب هذه الكرامة أمام مسمع ومرأى الجميع والمجلس ضمنهم.

-/ الوسيط : حيث حل محل ديوان المظالم الذي كان معمولا به قبل صدور دستور 2011 و عرف الفصل 162 من الدستور هذه المؤسسة بأنها " مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية."

– / مجلس الجالية المغربية بالخارج : الذي تم خوله المشرع مكانة دستورية بمقتضى الفصل 163 حيث " يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج، على الخصوص، إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه."

 / الهيئة المكلفةبالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز: المحدثة بموجب الفصل 19 من الدستور التي اقر الفصل 164 من أنها تعمل على احترام الحقوق والحريات المنصوص عليها في الفصل المذكور، مع مراعاة الاختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

/ هيئات الحكامة الجيدة:

-/ الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري: مكانتها الدستورية توضحها المهام المنوطة بها وهكذا يقضي الفصل 165 بأن " تتولى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة."

-/ مجلس المنافسة  : يقضي الفصل 166 أن " مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار."

-/ الهيئة المركزية للنزاهة و الوقاية من الرشوة ومحاربتها: التي تعد من بين المؤسسات الدستورية التي اولها المشرع الدستوري أهمية بدورها بنص الفصل 167 الذي ينص على أنه " تتولى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المحدثة بموجب الفصل 36، على الخصوص، مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة. هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركي العلمية "

 

ج : هيئات النهوض بالتنمية البشرية المستدامة و الديمقراطية التشاركية

-/المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث:حدد المشرع الدستوري مهامها بمقتضى الفصل 168 فهي بالتالي " هيئة استشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها. كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال."

 

-/ المجلس الاستشاري للأسرة و الطفولةوله " مهمة تأمين تتبع وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين، وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية، المقدمة من قبل مختلف القطاعات، والهياكل والأجهزة المختصة."

 

-/ المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي :المحدث بموجب الفصل 33 من الدستور و اعتبره الفصل 170 منه " هيئة استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية. وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة."

 

ثانيا: إسقاط أسس الحكامة الجيدة في المجال الضريبي:

 ارتبط النظام الضريبي عادة بالعدالة الضريبية أو الحكامة الضريبية التي تحيلنا مباشرة على ضبط المجال الجبائي وخضوع إجراءاته للقانون، حيث نجد لهذا المبدأ سندا صريحا في الدستور الاخير[4]، لكن يبقى مفهوم العدالة الجبائية نسبيا، طالما أن العدالة ذاتها قيمة نسبية ومن ثمة نجد على الرغم من أن الدستور ينص على هذا المبدإ، فإن الواقع يعكس خلاف ذلك، ونرجئ الحديث عن هذه النقطة التي سترد معنا في المحور الثاني عند الحديث عن إكراهات الحكامة الجبائية، و ما يجب التنبيه إليه هو أن العدالة الضريبية لها مؤشرات وضوابط منها:
* أحقية الملزم في مراقبة وتصحيح إقراراته؛ حيث يمكن له مراجعة التصريح الذي سبق له أن أدلى به لدى مصالح الإدارة الضريبية، كما يمكنه تصحيح هذا الإقرار تداركا لما قد يقع فيه من أخطاء .
* اللجوء إلى الطعون ضد قرارات الإدارة، كما يجب تبني أحكام خالية من التعقيد و الغموض من خلال تشخيص السعر و الوعاء، و سهولة التحصيل ووضوحه دون إغفال طبعا إثبات و استقرار النظام الضريبي، أي لا يكون الملزم عرضة للتغيير المستمر.
إن العدالة من هذا المنظور هي عقد اجتماعي بين الإدارة و الملزم، لأن الضرائب يعاد توزيعها و برمجتها بشكل تستفيد منه الدولة أي أن لكي هذه المساعدات المختلفة تهم جوانب متعددة من حياة المواطنين بحيث يتم استثمار ه في تأمين الخدمات الاجتماعية(كالصحة و التعليم والامن وغيرها ……. )

 وبالتالي يجب أن نستحضر العدالة الضريبية من تناسبية أداء نصيب الضريبة حسب المقدرة، إذ لا يمكنللملزم أن يدفع أكثر مما يتناسب وأربحاه، تماما كما أن من هذه التناسبية استفادة المواطن من الخدمات المؤمنة بالقدر الذي يساهم به في تحمل الأعباء العامة للدولة .

من جهة أخرى يمكن الحديث عن الحكامة الضريبية من خلال الاليات التالية:

  • ضرورة سلوك الدعوى التمهيدية أو الإدارية كشرط لازم وأساسي لقبول ومباشرة الدعوى أمام القضاء، فلا تقبل الدعاوى الضريبية التي ترفع رأسا إلى القضاء ما لم ينص القانون صراحة على خلاف ذلك( مثال ذلك قبول الدعوى الضريبية -ولو لم تعرض على اللجان الضريبية – التي تهدف مناقشة مشروعية فرض الضريبة من الأساس…)
  • الصلاحيات المخولة للقاضي الجبائي، حيث يتوفر على سلطات واسعة مقارنة مع نظيره المدني أو الجنائي اللذان يتقيدا نصوص القانون، خاصة في مجال إدارة الإثبات، فله أ ن يحمل الطرف الذي يرى هو وحسب ما تمليه عليه سلطته التقديرية عبء هذا الإثبات، بل له صلاحيات الحلول محل الإدارة الضريبية لتعديل مبلغ الضريبة أو إلغائها، ولعل في ذلك نوع من خلق التوازن لحماية الملزم من شطط الإدارة الضريبية التي تتوفر على جملة من الامتيازات في مواجهة الخاضع للضريبة ،تماما كما تظهر إرادة المشرع في بسط مبادئ الحكامة في هذا المجال الحيوي من خلال تمكين القاضي الضريبي من التحكم في إدارة الإثبات، مما نتجت عنه مجموعة من القواعد القانونية المنبثقة من الإجتهادات القضائية .
  • المسطرة التواجهية : من المساطر الهامة في النزاع الضريبي نجد المسطرة التواجهية، والتي بموجبها يتواجه طرفا النزاع مع بعضهما، لمقارعة الحجج بالحجج، رغبة في بناء القناعة الشخصية للقاضي، وتتميز هذه المسطرة بالتواصل بين الطرفين ولا تقتصر على المرحلة القضائية بل إنها معتمدة حتى في المرحلة ما قبل القضائية- المرحلة الادارية- وغالبا ما ينتج عنها فض النزاع .

 

المحور الثاني : إكراهات الحكامة الجيدة في المجال الضريبي:

تتعدد الإكراهات التي تعترض تطبيق أسس الحكامة الجيدة كمؤسسة دستورية جملة من العوارض يمكنتصنيفها إلى نوعين :

أولا : الاكراهات القانونية.

عند الحديث عنى العوارض أو الإكراهات القانونية التي تحول دون تطبيق أسس الحكامة الجيدة في مجال الضرائب، لابد أن نستحضر ما يلي:

  • طبيعة النصوص الضريبية : بالرجوع إلى القانون الضريبي، نجده قد كان عبارة عن نصوص قانونية متناثرة هنا وهناك ،بشكل يعجز المهتم بالشأن القانوني الاحاطة بمقتضياته ،فكيف يمكن أن يستوعبه المخاطبين به من الملزمين مع اختلاف مستوياتهم الثقافية وقدراتهم العلمية، وقد تدارك المشرع الضريبي هذه الهفوة، حيث جمع هذه النصوص في المدونة العامة للضرائب ومدونة تحصيل الديون العمومية، ونحسبها من حسناته –في اعتقادنا الشخصي- على الاقل لتفادي ذلك الارتجال والتخبط الذي لا يليق بمجال حيوي كالضرائب .
  • حركية النصوص القانونيةإن المهتم بالشأن القانوني خاصة في شقه الضريبي سوف يصيبه الذهول من السرعة الفائقة وغير المنطقية التي تتغير بها النصوص القانونية في المجال الضريبي وما ينتج عن ذلك من تجاوز المخاطبين بها من جهة وضياع حقوقهم من جهة أخرى.
  • غموضبعض النصوص القانونية : ما سبق قوله في الملاحظات أعلاه ،يحافظ على صحته وقوة صدقه في هذا الباب ،فالمتصفح للقانون الضريبي يجده سهلا ممتنعا بشكل يعيق التواصل الذهني مع المخاطبين به، ومن باب التحصيل الحاصل يجدوا أنفسهم عرضة للدعائر والغرامات المالية نتيجة عدم الامتثال لقواعد هذا القانون، أضف إلى ذلك عدم خلق قنوات للتواصل والتوعية بين الملزم بصفته مدينا والإدارة الضريبية في موقف الدائن.

 

ونظرا لأهمية الضرائب كمصدر حيوي للخزينة العامة للدولة من جهة ولارتباطه بحقوق الملزمين بها المالية على وجه التحديد،فإن الضرورة ملحة لمراجعة نقط الخلل من الناحية القانونية،والانكباب على تمحيص كل مقتضياته التي قد تضع الملزم موضع الضحية، على أنه إلى جانب هذه الاكراهات نجد أخرى لكن على المستوى الواقعي.

 

ثانيا : إكراهات الحكامة الضريبية على المسوى الواقعي .

يقول أندري باريلاري: " لا يوجد شخص يحب الضريبة، لكن لا يوجد شخص يمكنه تصور ممارسة الدولة لوظائفها دون أموال " [5]وهذه المسألة طبيعية نظرا لطبيعة الضريبة نفسها، باعتبارها اقتطاعا اجباريا من طرف الدولة يستهدف ثروات الملزم الشخصية، لكن في نفس السياق وبمناسبة الفرض الضريبي والتحصيل تقع تلك النزعات التي تنم عن إكراهات واقعية ،هذه الاكراهات تتجلى بعض أسبابها في اعتقادي الشخصي في سوء التواصل بين طرفي العلاقة الضريبية من الجانبين وكذا في بعض الخروقات والتجاوزات والتي يمكن رصدها على الشكل التالي :

* غياب عقلنة التدبير الضريبي: في العديد من الندوات العلمية والمناظرات يتم الحديث عن العدالة الضريبية فمثلا المناظرة الوطنية حول الجبايات التي نظمت بالصخيرات 2013 وعقدت بعدها عدة مناظرات التي تحث في توصياتها على العدالة الضريبية، و حتى كتابة السطور لا توجد عدالة ضريبية بالمفهوم الصحيح للكلمة، فإلى ما يعزى هذا التأخر في تفعيل المبادئ الأساسية للعدالة الضريبية ؟
في تصوري الخاص لابد من ربط العدالة الضريبية بالحكامة الجبائية و التي تؤطرها مؤشرات ومعايير سأركز على البعض منها:
 انعدامالمشروعية الجبائية: ويقصد بالمشروعية عموما علاقة التطابق مع القانون، أما المشروعية الجبائية فتعني أن فعل التضريب يجب أن يكون مشروعا و متناسبا بما يوافق القانون، ومن ثمة تنضبط مع القاعدة القانونية التي تعني احترام أسس القانون و تنطبق على مجمل القواعد التي تلجأ إليها الإدارة، سواء على مستوى عملية التبليغ ( المادة 219 من المدونة العامة للضرائب) و التي تطرح معها عدة إشكاليات للأسف لا يمكن أن نعتبرها ترسخ لعدالة ضريبية. ناهيك أن مساطر تصحيح أسس الضريبة التي يجهلها الملزم، ومن ثمة جهل جملة من القواعد مما يضرب في عمق العدالة الضريبية ويذكي وصف اللامشروعية في مجال حيوي كالضرائب.

المشاركة الجبائية :هذا المبدأ لا يستدعي فقط الفعل الايجابي من قبل المواطن، بل مشاركته، سواء على مستوى تصور و بناء وتنفيذ السياسة الجبائية، و من ثمة لا تسمح للدولة باحتكار عملية التضريب. على هذا الأساس فالمشاركة الجبائية يمكن أجرأتها من خلال اعتماد مقاربة تشاركية (أي إشراك كل الفاعلين والهيئات)، و إذا ربطنا هذا المبدأ بالعدالة الضريبية، فهذا يستدعي منا مساهمة الفاعلين في هندسة و تخطيط وبرمجة وتتبع كل العمليات الخاصة بالعمل الجبائي.
وحتى يتسنى اعتبار المقاربة التشاركية حاضرة لتحقيق العدالة الضريبية، فلابد من تجاوز المشكل المؤسساتي وصولا إلى عملية تنزيل فعلي للمبدأ بدءا ممثل الشعب، كما أن الإقرار الضريبي هو تجسيد للفكر التشاركي، فهل المواطن له ثقافة في المجال الجبائي؟
و دون إغفال طبعا مشاركة الإدارة الضريبية من خلال المراقبة ثم المنازعات خاصة الإدارية منها وفق ما تنص عليه المادة 235 من المدونة العامة للضرائب، و التي نستحضر من خلالها المرحلة الحوارية، زد على ذلك المسطرة القضائية حيث يشرك القاضي أجهزة المحكمة وصولا إلى الحقيقة الجبائية.
ورغم كل ما سجلته من استحضار لمبدأ المشاركة الجبائية في محطات عدة في الضريبة إلا أن هناك محدودية لهذا المبدأ يمكن تسجيلها في مرحلة المحاسبة و الضمانات الخاصة بالملزم.
الشفافية الجبائية : الشفافية هي تلك الآلية التي تكشف وتعلن من خلالها الدولة أنشطتها، لكن عندما نتحدث عن الشفافية الجبائية، فالأمر يتعلق بالطريقة التي يمكن من خلالها عرض الأنشطة والقوانين الضريبية على المكلفين ومن ثمة يتمكن الملزم من معرفة مقدار الضريبة المفروضة.
أيضا الشفافية الجبائية تمنح إمكانية الاطلاع على الوثائق الإدارية والمالية ذات الصلة بالحقل الضريبي.
وارتباط الشفافية بمبدأ المشاركة الجبائية نكون أمام شفافية المساطر والإجراءات الجبائية سواء تعلق الأمر بالتصفية أو التحصيل الجبائي. لكن السؤال الذي يمكن طرحه هنا: ما الهدف من الشفافية الجبائية؟
أولى هذه الأهداف تطبيق العدالة الجبائية، والمساواة و أيضا فرض مبدأ المساءلة بالنسبة للملزم الضريبي و الإدارة.

                و إذا ما حاولنا مقاربة مبدأ الشفافية الجبائية على مستوى ما ينص عليه الدستور نجد أن الفصل 154 يؤكد بأن المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة و الشفافية والمحاسبة و المسؤولية. أما الفصل 166 فتطرق لدور مجلس المنافسة باعتباره مؤسسة مستقلة لضمان الشفافية. في حين الفصل 167 فنص على دور الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية في تلقي المعلومة و نشرها.

 

وتعني الشفافية الجبائية بشكل خاص تبادل المعلومة بين الملزم و الإدارة ثم الحق في الحصول على المعلومة، وهذا ما نصت عليها توصيات المناظرة الوطنية 2013، ثم تمت المصادقة على قانون الحق في الحصول على المعلومة 31.13، لكن الإشكال الذي يطرح هو أن القانون الجنائي لم يحدد بشكل واضح ما يهدد أي موظف يقدم معلومة.
وما أعتقده في هذا الصدد هو أن الحصول على المعلومات أولى الخطوات لإقامة علاقة بين الملزم و الإدارة. بل إنها لبنة الثقة المنشودة، ومن ثمة تحقق العدالة الضريبية.
من هذا المنظور، نحن في حاجة ماسة للتواصل المؤسساتي الذي يفترض استحضار وظيفة الإعلام في نشر هذه المــعلـــــــــــومة و تعميمها.

   إن غياب التواصل بين أطراف العلاقة الضريبية شكل بحق نزاعا قويا بينهما كما سبقت الإشارة إّليه و تعكس جدلية النزاع بين هذين الطرفين غير المتكافئين تلك الصورة غير المشرفة التي تجمعها، فإدارة الضرائب وبما تملكه من امتيازات السلطة العامة، تفرض من برج عال الضريبة على الملزم، هذا الأخير لا يرى في هذه الضريبة سوى التسلط والجبر الشئ الذي ينقطع معه حبل التواصل وتغيب الحكامة الضريبة بالمعنى الذي يتصوره المشرع الضريبي في الفلسفة العامة للتشريع.

 *بعض السلوكات المنحرفة من الطرفين: إن بعض موظفي الادارة الضريبية تغلب لديهم المصلحة الخاصة عن المصلحة العامة ،بشكل يعفى من تتحقق فيه شروط الواقعة الضريبية أو يؤدي مبلغا زهيدا وصوريا بسبب تلقي المفتش الضريبي رشاوي سواء كانت نقدية أو مصالح متبادلة، في الوقت نفسه تفرض ضرائب خيالية على ملزمين بشكل يضرب عرض الحائط العدالة الجبائة ويخدش أسس الحكامة الجيدة ،فتنعدم الثقة ويحل بدلها الشك والاتهام المتبادل .

 

   إن هذ الانحراف لا ينحصر على بعض موظفي الإدارة الضريبية، لكن يلجأ الملزم نفسه وفي غالب الأحيان إلى أساليب الغش للتهرب من أداء الضرائب أو التقليل من قيمتها .

 

وخلاصة القول إن الهدف الأسمى من سن الضرائب هو بناء الدولة وتنميتها حتى تؤمن الحاجيات الضرورية للمواطنين ،غير أن طرفي العلاقة الضريبية في نزاع متواصل ومرد ذلك إلى عوامل مركبة نابعة من وجود بعض هفوات التشريع الضريبيّ أو ناتجة عن انعدام التواصل بين الطرفين .



1-من بين الكتابات العديدة التي تناولت نظرية العقد الاجتماعي وأثره على الجانب السياسي والاجتماعي، كتاب فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة الأمم شرقية للدكتور عبدالرزاق السنهوري  الطبعة الأولى 1989 القاهرة مصر  ص98  [1]

 في هذا المعنى يمكن الرجوع إلى " الإثبات في المادة الضريبة بين القواعد العامة وخصوصيات المادة-على ضوء الممارسة والاجتهاد القضائي – للدكتور مولاي عبدالرحمان أبليلا طبعة 2013 مطبعة الأمنية الرباط ص6   [2]

3-وهكذا نصت المادة 17 من الدستور "على  الجميع أن يتحمل كل قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها حسب الإجراءات المنصوص عليها في الدستور " وهو نفس المقتضى الذي حافظ عليه الدستور الجديد للمملكة  لسنة  2011في المادة 39  منه و بصيغة الوجوب والعموم  التي  تفيذها  كلمة "على الجميع " الواردة في مستهل المادتين  المذكورتين.

  4- بالرجوع الى الفصلين " 39و40 من الدستور نجدهما ينصان على أنه ، يتحمل  الجميع كل على قدر استطاعته ، التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها …وأن يتحملوا بشكل تضامني  التكاليف  التي  تتطلبها تنمية البلاد وكذا تلك الناتجة عن الاعباء الناجمة عن الافات والكوارت الطبيعية…………….

5- Andri barilari  « le consentement al impot les presses de sciences po 2000 p 7