أرانب السباق الانتخابي تخرج من جحورها 

أرانب السباق الانتخابي تخرج من جحورها 

مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية تخرج من جحورها أرانب السباق الانتخابي، لتبدأ رحلتها في البحث عن تزكية لخوض غمار الانتخابات سواء التشريعية أو المحلية بأمر من ولي نعمتهم،  رغم انعدام إمكانية نجاحهم في هذا السباق، فهدفهم ليس الفوز في المعركة الانتخابية، وإنما هدفهم إضعاف خصوم ولي نعمتهم في دائرة انتخابية معينة، فهاته الأرانب الانتخابية واعية بقيمتها ودورها، الذي يكمن في الإرهاق المنافسين أو عرقلة خصوم من يشتري خدماتهم، مما قد يقلب موازين النتائج الانتخابية، ويساهم في فوز والي نعمتهم.

هاته ” البدعة ” الديمقراطية ولا تمت  للديمقراطية بصلة، شكلا ومضمونا، للأسف بإقليم سطات وجل الأقاليم بالمملكة ، أصبح يتعاطى لها الشباب المعقود عليهم أمل التغيير، ويعملون على الترويج  لها بخطاباتهم الحماسية الشبابية التي اعتادوا عليها واعتادت عليهم لتحقيق المأرب بمنطق السرعة القصوى، الذين يقتصر دورهم على رفع إيقاع السباق الانتخابي من خلال استثمار معارفهم وعلاقاتهم بدوائرهم وحشد الأصوات لصالح ولي النعمة قبل مغادرتهم مع اقتراب موعد الحسم، تاركين لذوي نعمتهم من الساسة المحترفين من أطياف حزبية أخرى، الساحة الانتخابية من أجل إكمال المهمة أملا في ظفرهم بمقعد انتخابي، بعد أن أفلحوا في خلق نوع من الشرخ الذي ساهم بدوره في إعادة ترتيب الأوراق من جديد والإفراز عن نتائج غير التي كانت متوقعة الشيء الذي لا يخدم المشروع الديمقراطي المغربي.

فهذا الأسلوب الجديد الذي يفسد ويشوه المسلسل الديمقراطي المغربي، ويضر بسمعة البلاد، خاصة وأن أمرها لا يخفى على الخاص والعام، أصبح عملية مهمة تعفي بعض المرشحين من عناء مطاردة شتات الأصوات، ويقوي حظوظهم في حسم التنافس حول المقاعد، ويبقى هو الخيار الأنجع للمرشحين، الذين لا يتوفرون على قاعدة شعبية وهيئات سياسية نشيطة تضمن لهم الفوز بأصوات مضمونة، وهو سلاح يلجأ إليه غالبية المرشحين، رغم كلفته الباهظة.

بعدما تنسحب الأرانب جانبا في المعركة الانتخابية ، تختفي عن الأنظار بسرعة البرق، وهي التي ظلت طيلة مرحلة الاستعدادات والمخاض العسير تقدم الكلام المعسول والشعارات الرنانة ظنا منها أنها تعمل على إزاحة ممن عمّروا طويلا لكن العكس…. الشيء الذي يحز في النفس ويجب التحذير منه ونحن نعيش مغرب الألفية الثالثة مع الأسف ..

يبدوا أن أرانب السباق الانتخابي نسوا خطاب عاهل البلاد الملك محمد السادس نصره الله حين شدد في خطاباته على أن الانتخابات هي فرصة تمنح المواطنين سلطة القرار في اختيار ممثليهم، وأن عليهم إحسان الاختيار لأنه لن يكون من حقهم غدا، أن يشتكوا من سوء التدبير، أو من ضعف الخدمات التي تقدم لهم…

هكذا أرادها الملك أن تكون انتخابات حرة نزيهة منبثقة من رحم المجتمع دون مناورات ولا مزايدات، فإذا كان الأمر يتعلق هنا بحسن اختيار النخب السياسية ذات البعد التبصري والحسي الوطني والتكوين الأكاديمي، فإن المسألة تبقى دينا ثقيلا على عاتق الأحزاب السياسية لكي تلعب دورا محوريا في عملية انتقاء ممثلين بكفاءات عالية بعيدا عن منطق “الشكارة والطبالة والغياطة”، وتشجيع الشباب لخوض غمار هذا الاستحقاقات التي صارت حكرا على وجوه بعينها عمّرت طويلا على كراسي المسؤولية.

فأرانب السباق هاته، على اختلاف ألوانها واديولوجياتها، تبقى أليفة ولا أنياب سياسية لها ظاهرة للعيان، لكنها تبقى مسؤولة أمام الله وأمام التاريخ وأمام من منحوها ثقتهم، مسؤولة على تلك اللعبة السياسية التي لعبتها وأتقنتها بكل احترافية معبدة الطريق للقادمين من الخلف بعد أن أخذت نصيبها وانسحبت.

ونحن نعيش زمن كورونا والاستعدادات للاستحقاقات، معهما انتشرت مشاهد وصور ومقاطع فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لأناس لم يحلو لهم سوى الظهور بمظهر المُتفّنِّنين في اقتناص الفرص وأخذ الصور من مختلف الزوايا، يركبون على مختلف الأحداث بدون استحياء، حتى آلام العباد ودموعهم لهم فيها نصيبا مفروضا، لا يأبهون لطفل جائع ولا أرملة بائسة، همهم التفنن في القفز على الأحزان بطعم الإحسان، ومنهم من بدى وهو ينسج خيوط الحملات الانتخابية المبكرة والركوب على موجة الإنفاق في زمن الجائحة مدعوما بزبناء كاميرا شوفوني.

لكي يكون للكلام معنى ودلالات، ولكي لا نسقط في مبدأ العمومية على الرغم من العبارات تضمنت كلمة “بعض”، فهناك شباب ورجال ونساء، شرفاء، من أبناء الوطن، شرفهم ومواقفهم هي أغلى ما يملكون، لا يسألون الناس الحافا،  ومنهم من انخرط طواعية في تلبية حاجيات العباد دون “بهرجة” ولا اقتناص فرص، وانصرفوا في صمت، عكس البعض ممن ارتأوا التشهير طرب البندير وامتهان الكرامة والتفنن في التقاط الصور وتوزيعها على مواقع التواصل الاجتماعي بنكهة الانتخابات، ومنهم من سخّر في ذلك جميع إمكانياته وذروعه البشرية لاقتحام الدوائر الانتخابية لغريمه في حين غفلة منه، على الرغم أن الدولة حذرت في وقت سابق على لسان وزارة الداخلية من الركوب على الأحداث لدواعي انتخابية.

فإلى متى يعدل هؤلاء المحترفون الذين باتوا يعتمدون على أرانب السباق الأليفة في حملاتهم، ألم يأن لهؤلاء أن تخشع قلوبهم ويضعون مصلحة الوطن ومواطنيه فوق كل اعتبار بعيدا عن منطق المصالح الشخصية الضيقة.